أما على قراءة نافع وابن عامر بفتح الخاء (واتخذوا) فهو كلام مسوق للإخبار، معطوف على قوله تعالى: (وإذ جعلنا) وعليه فلابد من إضمار "إذ ".
والمعنى: واذكر يا محمد حين (جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً) يعنى مرجعاً يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم، حيث يتمتعون فيه بالأمن، فـ (مثابة) مصدر ثاب يثوب إذا رجع.
واذكر أيضاً حين اتخذ متبعو إبراهيم مقامه مصلى - كما ذكر ابن عطية. () أو حين اتخذ أصحابك مقام إبراهيم مصلى امتثالاً لأمر الله الثابت بالقراءة الأخرى (واتخِذوا) أو حين اتخذ الناس كما قال مكى. ()
وقيل: لا حاجة إلى إضمار "إذ" بل هو معطوف على "جعلنا" على أنهما جملة واحدة. () ولذلك لم يكن الوقف على (أمناً) تاماً على هذه القراءة لأنه مرتبط فى المعنى بما بعده على كلا التقديرين.
وأما بالنسبة للقراءة الأخرى (واتخذوا) بالأمر وهى قراءة الجمهور، فإنه كلام مستأنف جديد لا علاقة له، بما قبله كما قال أبو البقاء. ()
ولذلك فإن الوقف على (أمنا) وقف تام، لعدم ارتباطه لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى بما بعده. والتفسير بناءً على هذه القراءة الثانية مختلف فيه: حيث قيل: إن المأمور بذلك إبراهيم عليه السلام ومتبعوه، وقيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه وهو الأرجح لحديث عمر رضى الله عنه: "وافقت ربى فى ثلاث" وفيه "وقلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ((واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)) ()
قال ابن خالوية فى الحجة موجهاً القراءتين:
الحجة لمن كسر أنهم أمروا بذلك ودليله قول عمر " أفلا نتخذه مصلى" فأنزل الله ذلك موافقاً به قوله، والحجة لمن فتح أن الله تعالى أخبر عنهم بذلك بعد أن فعلوه. ثم قال: فإن قيل: فإن الأمر ضد الماضى، وكيف جاء القرآن بالشئ وضده؟ فقل: إن الله تعالى أمرهم بذلك مبتدئاً، ففعلوا ما أمروا به، فأثنى بذلك عليهم وأخبر به، وأنزله فى العرضة الثانية. ()
ضوابط للوقف والابتداء يجب مراعاتها
وإلا أخل القارئ بالمعنى والتفسير
[الضابط الأول]
لا يجوز الوقوف على مالا يتم به المعنى.
هذه قاعدة عامة مجملة وتفصيلها " أنه لا يجوز أن يوقف على العامل دون المعمول، ولا المعمول دون العامل، وسواء كان العامل اسماً أم فعلاً أم حرفاً، وسواء كان المعمول مرفوعاً أم منصوباً أم مخفوضاً، عمدة أو فضلة، متحداً أو متعدداً.
ولا يوقف أيضاً على الموصول دون صلته، ولا على ما له جواب دون جوابه، ولا على المستثنى منه قبل المستثنى، ولا على المتبوع دون التابع، ولا على ما يستفهم به دون ما يستفهم عنه، ولا على ما أشير به دون ما أشير إليه، ولا على الحكاية دون المحكى، ولا على القسم دون المقسم به وغير ذلك مما لا يتم المعنى إلا به" () وقد مضت الأمثلة على ذلك فى أقسام الوقف.
[الضابط الثانى]
كلمة "كلا" وردت فى القرآن الكريم فى ثلاثة وثلاثين موضعاً منها سبعة للردع بالاتفاق وهذه يوقف عليها. وهى:
- (عهدا. كلا) ()، (عزاً. كلا) ()، (أن يقتلون. قال كلا) ()، (إنا لمدركون. قال كلا) ()، (شركاء كلا) ()، (أن أزيد. كلا) ()، (أين المفر. كلا) ()
والباقى منها ما هو بمعنى حقاً قطعاً فلا يوقف عليه، ومنها ما احتمل الأمرين أى الردع ومعنى حقاً قطعاً ففيه الوجهان. ()
وإذا استقرأنا هذه اللفظة فى القرآن الكريم فإننا سوف نجد أنها لم تذكر إلا فى النصف الثانى من القرآن الكريم وفى السور المكية فقط ولذلك قيل:
وما نزلت "كلا" بيثرب فاعلمن
ولم تأت فى القرآن فى نصفه الأعلى
والسبب فى ذلك أن هذه الكلمة "كلا" تفيد الردع والزجر والرد على الكفار فيما يزعمون أو يدعون.
[الضابط الثالث]
كلمة "بلى" جاءت فى القرآن الكريم فى إثنين وعشرين موضعاً فى ست عشرة سورة وهى على أقسام ثلاثة:
الأول: لا يجوز الوقف عليها بالإجماع، لتعلق ما بعدها بما قبلها وذلك كائن فى سبعة مواضع هى:
(بلى وربنا) ()، (بلى وعداً عليه حقاً) ()، (قل بلى وربى لتأتينكم) ()، (بلى قد جاءتك) () (بلى وربنا) ()، (قل بلى وربى) ()، (بلى قادرين) ()
الثانى: المختار فيه عدم الوقف، وذلك فى خمسة مواضع هى:
(بلى ولكن ليطمئن قلبى) ()، (بلى ولكن حقت) ()، (بلى ورسلنا) ()، (قالوا بلى) ()، (قالوا بلى قد جاءنا) ()
¥