مصادر التفسير:
(3)
تفسير الصحابة للقرآن
- الحلقة الأولى -
بقلم: مساعد بن سليمان الطيار
بدأ الكاتب هذه السلسلة بالحديث عن مصادر التفسير، وبين المقصود بها، ثم
تحدث عن تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، محرّراً المصطلحات وذاكراً نماذج
من النصوص المندرجة تحتها، وحديثه في هذه الحلقة وما بعدها عن تفسير
الصحابة (رضي الله عنهم).
- البيان -
الصحابة (رضوان الله عليهم) خِيَرَةُ الله (سبحانه) لرسوله -صلى الله عليه
وسلم-، جعلهم أنصار دينه، ووزراء نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وهم أرقّّ
الناس قلوباً، وأعمقهم علماً، وأبعدهم عن التكلف، حفظ الله بهم الدين، ونشره بهم
في العالمين، وكانوا في علمه بين مُكْثرٍ ومُقلّ.
قال مسروق: (لقد جالست أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فوجدتهم
كالإخاذ (الغدير)، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي
العشرة، والإخاذ يروي المئة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت
عبد الله ابن مسعود من ذلك الإخاذ) [1].
ولِما كان لهم من الصحبة والقرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ومعرفة أحواله، فإن لأقوالهم تقدّماً على غيرها عند أهل العلم، فتجدهم يعتمدون
عليها في بيان الدين، ويتخيّرُونَ من أقوالهم إذا اختلفوا، غير خارجين عنها إلى
غيرها [2].
هذا، وقد تميّزت أقوالهم بالعمق من غير تكلّف، ومن نظر في تفسيراتهم
ووازنها بأقوال المتأخرين عَرَفَ صدق هذا القول.
ولقد كان من أبرز مَنْ أظهر هذه الفكرة، وبيّن ما للصحابة من مزيّة في
عباراتهم التفسيرية الإمامُ ابن القيم في كتبه، ومن ذلك قوله: ( ... فعاد الصواب
إلى قول الصحابة، وهم أعلم الأمّة بكتاب الله ومُراده) [3].
أهمية تفسير الصحابة:
وقد ذكر العلماء أسباباً تدلّ على أهمية الرجوع إلى تفسيرهم، وهذه الأسباب
كالتالي:
1 - أنهم شهدوا التنزيل، وعرفوا أحواله:
لقد كان لمشاهدتهم التنزيل، ومعرفة أحواله أكبر الأثر في علوّ تفسيرهم
وصحته، إذ الشاهد يدرك من الفهم ما لا يدركه الغائب.
وفي حجيّةِ بيان الصحابة للقرآن، فيما لو اختلفوا، قال الشاطبي: (وأما
الثاني: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنّة، فهم أقْعَدُ في
فَهْمِ القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب
ذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
فمتى جاء عنهم تقييدُ بعض المطلَقات، أو تخصيص بعض العمومات،
فالعمل عليه على الصواب، وهذا إن لم ينقل عن أحدهم خلاف في المسألة، فإن
خالف بعضهم فالمسألة اجتهادية) [4].
ومعرفة أسباب النزول لازمة لمن أراد علم القرآن؛ لأن الجهل بأسباب
النزول مُوقِعٌ في الشّبَه والإشكالات، ومُورِدٌ للنصوص الظاهرة مَورِدَ الإجمال حتى
يقع الاختلاف.
وإنما يقع ذلك؛ لأن معرفة أسباب النزول بمنزلة مقتضيات الأحوال التي يُفْهَمُ
بها الخطاب، وإذا فات نقل بعض القرائن الدّالة فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيءٍ
منه.
ومعرفة أسباب النزول رافعة لكل مشكلٍ في هذا النمط، فهي من المهمات في
فهم الكتاب بلا بدّ، ومعنى معرفة السبب هو معنى مقتضى الحال [5].
إن ممّا يدلّ على ما سبق من الكلام: ما رواه أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم
عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: (أُتيَ برجلٍ من المهاجرين الأولين وقد
شرب الخمر فأمر به عمر أن يُجلد، فقال: لِمَ تجلدني؟! بيني وبينك كتاب الله،
قال: وفي أيّ كتاب الله تجد أن لا أجلدك؟.
قال: فإن الله (تعالى) يقول في كتابه:] لَيْسَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا .. [[المائدة: 93]، فأنا من الذين آمنوا وعملوا
الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا؛ شهدت مع رسول الله: بدراً، وأحداً، والخندق،
والمشاهد.
فقال عمر: ألا تَرُودّن عليه؟
فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذراً للماضين، وحجّة على الباقين،
عذراً للماضين؛ لأنهم لَقُوا الله قبل أن حرّم الله عليهم الخمر، وحجة على الباقين؛
لأن الله يقول:] .. إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ .. [[المائدة: 90]
[المائدة: 90]. حتى بلغ الآية الأخرى) [6].
¥