اختياره على ما سبق من الأقسام الثلاثة فيما يتعلق بالاجتهاد.
ومن أمثلة ذلك: تفسيرهم قوله (تعالى):] لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ [
[الانشقاق: 19]، ورد في قوله] لَتَرْكَبُنَّ [قراءات، منها: فتح التاء والباء،
وقد اختلف في: من وجّه إليه الخطاب؟، على قولين:
الأول: أن الخطاب موجّه للرسول، واختلف في معنى] طَبَقاً عَن طَبَقٍ [
على هذا القول على معنيين:
1 - لتركبن يا محمد حالاً بعد حال، وأمراً بعد أمر من الشدائد، وهذا مروي
عن ابن عباس من طريق مجاهد والعوفي.
2 - لتركبن يا محمد سماءً بعد سماءٍ، وهذا مروي عن ابن مسعود من رواية
علقمة.
الثاني: أن الخطاب موجّه للسماء، والمعنى: أنها تتغيّر ضروباً من التغيّر:
تتشقق بالغمام مرّة، وتَحْمَر أخرى، فتصير وردة كالدهان، وتكون أخرى كالمهل،
وهذا مروي عن ابن مسعود من رواية مرة الهمذاني و إبراهيم النخعي [7].
في هذا المثال تجد لابن مسعود قولين في تحديد من وجّه له الخطاب، وفي
الأول يوافقه ابن عباس في هذه الجزئية، ثم يخالفه في معنى الركوب طبقاً عن
طبق.
وما كان ذلك الاختلاف إلا لاحتمال هذا النص هذه المعاني المذكورة، فأبدى
كل واحد منهما أحد هذه المحتملات.
مسألة: في اجتهاد الصحابة في حياة الرسول:
تُظهر بعض النصوص أن الصحابة كان لهم اجتهادات في فهم الخطاب
القرآني وتفسيره في عصر الرسول، وكان لاجتهادهم حالتان:
الحالة الأولى: أن يُقِرّ الرسول اجتهادهم، ومن ذلك: الأثر المروي عن
عمرو بن العاص، قال: بعثني رسول الله عام (ذات السلاسل)، فاحتلمت في ليلة
باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت به، ثم صليت
بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمت على رسول الله ذكرت ذلك له، فقال:
(ياعمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت
في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله:] وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ [[النساء: 29] فتيممت، ثم صليت، فضحك، ولم يقل شيئاً) [8].
ومنه: ما رواه الطبري عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: (تلا رسول الله
يوماً] أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [[محمد: 24]، فقال شاب من
أهل اليمن: بل عليها أقفالها، حتى يكون الله (عز وجل) يفتحها أو يفرجها، فما
زال الشاب في نفس عمر (رضي الله عنه) حتى وُلّيَ فاستعان به) [9].
الحالة الثانية: أن يُصَحّح الرسول فهمهم للآية:
ومثاله: تفسيرهم الظلم، في قوله (تعالى):] الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم
بِظُلْمٍ [[الأنعام: 82]، فقد فهم الصحابة أن الظلم عام يشمل جميع أنواعه، وذلك
بقولهم: (وأينا لم يظلم نفسه)، فأخبرهم الرسول بالمراد بالظلم في الآية، وأنه
الشرك [10].
ومنه حديث عدي بن حاتم، في قوله (تعالى):] وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ [[البقرة: 187] حيث عمد (رضي
الله عنه) إلى عقالين: أبيض وأسود، ثم جعلهما تحت وسادة، ثم جعل ينظر إليهما
في بعض الليل، فلم يستبينا، فلما أصبح أخبر الرسول بفعله، فأرشده الرسول إلى
أن المراد بهما سواد الليل وبياض النهار [11].
ففي هذين المثالين تلاحظ أن الصحابة فهموا الآية على معنى محتمل، لكنه
غير المراد، فأرشدهم الرسول إلى المعنى المراد بالآية، ولم ينههم عن تفهّمِ القرآن
إلا بالرجوع إليه.
حكم تفسير الصحابي:
لا يصلح إطلاق الحكم على تفسير الصحابي جملة من حيث الاحتجاج به أو
عدمه، بل لابدّ من التفصيل في تفسير الصحابي.
لقد سبق ذكر أن الصحابة يجتهدون في التفسير، وهذا الاجتهاد عرضة للخطأ؛ لأن الواحد منهم غير معصوم حتى يقبل منه كل قوله.
ثم إن هذا الاجتهاد مدعاة لوقوع الاختلاف في التفسير، وبهذا لا يكون قول
أحدهم حجة؛ لأن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم حجة على بعضٍ.
ويمكن تنزيل الحكم مقسّماً على مصادرهم: النقلية والاستدلالية.
أولاً: المصادر النقلية:
يشمل الحكم على المصادر النقلية ما يلي:
أسباب النزول، وأحوال من نزل فيهم القرآن، والأمور الغيبية.
¥