وقد مال الشهرستاني في "الملل والنحل"، إلى أن الارتباط بين الفرقتين قديم، وزعم أن زيد بن علي، تتلمذ على يد واصلِ بنِ عطاءِ رأسِ المعتزلة، وأخذ العقيدة عنه، فقال: (ج 1 / ص155): "وزيد بن علي، لما كان مذهبه هذا المذهب أراد أن يحصل الأصول والفروع، حتى يتحلى بالعلم، فتلمذ في الأصول لواصل بن عطاء الغزَّالِ الألثغِ رأس المعتزلة ورئيسِهم، مع اعتقاد واصل، أن جده علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام، ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه، فاقتبس منه الاعتزالَ، وصارت أصحابُهُ كلُّهم معتزلةً" اهـ.
وقال أيضًا: (ج 1 / ص 30): "والقدرية ابتدؤوا بدعتهم في زمان الحسن، واعتزل واصل عنهم وعن أستاذه بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين، فسمي هو وأصحابه معتزلةً، وقد تتلمذ له زيد بن علي، وأخذ الأصول؛ فلذلك صارت الزيديةُ كلُّهم معتزلةً، ومن رفض زيد بن علي لأنه خالف مذهب آبائه في الأصول، وفي التبرئ، والتولي، وهم أهل الكوفة، وكانوا جماعة سموا رافضة، ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة، حين نُشرت أيام المامون، فخلطت مناهجها بمناهج الكلام". اهـ.
وقال الشهرستاني "الملل والنحل" (1/ 162): وأكثرهم في زماننا مقلدون؛ لا يرجعون إلى رأي أو اجتهاد: أما في الأصول؛ فيرون رأي المعتزلة: حذوَ القذَّة بالقذَّة؛ ويعظمون أئمة الاعتزال أكثرَ من تعظيمهم أئمةَ أهل البيت.
وأما في الفروع: فهم على مذهب أبي حنيفة، إلا في مسائل قليلة، يوافقون فيها الشافعي - رحمه الله - والشيعة.
وقد حكى أبو الحسن الأشعري في "مقالات الإسلاميين" (ج 1 / ص 74) موافقة الزيدية لعقائد المعتزلة، ولكن لم يذكر أن ذلك كان قديمًا، ولا ذكر تتلمذ زيد على واصل، فقال: "وأجمعت الزيدية على أن أصحاب الكبائر كلَّهم معذبون في النار، خالدون فيها مخلدون أبدًا، لا يخرجون منها، ولا يغيبون عنها، وأجمعوا جميعًا، على تصويب علي بن أبى طالب في حربه، وعلى تخطئة من خالفه".
قال: والزيدية بأجمعها، ترى السيف والعرض على أئمة الجور، وإزالة الظلم، وإقامة الحق، وهى بأجمعها، لا ترى الصلاة خلف الفاجر، ولا تراها إلا خلف من ليس بفاسق".
ولا يخفى أن كل ما سبق من الأصول الكبار للمعتزلة.
وانظر العلم الشامخ: (319)، للعلامة المقبلي.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - في أكثر كتبه – وفي مواضع لا تحصى منها، يقرن بين الفرقتين في حكاية العقائد الباطلة، فقال في "منهاج السنة النبوية" (ج 3 / ص 461): وكذلك المعتزلة، باينوا جميع الطوائف، فيما اختصوا به من المنزلة بين المنزلتين، وقولهم: إن أهل الكبائر يخلدون في النار، وليسوا بمؤمنين ولا كفار؛ فإن هذا قولُهم الذي سُمُّوا به معتزلةً، فمن وافقهم فيه بعد ذلك من الزيدية، فعنهم أخذوا" وقال في: مجموع الفتاوى (ج 1 / ص 148):
"وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته، فمتفقٌ عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وسائر أئمة المسلمين الأربعة، وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع، من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخلُ النار لا يخرجُ منها".
وقال الفتاوى الكبرى (ج 6 / ص 550): "ذهبت المعتزلة والخوارج والزيدية الإمامية، ومن عداهم من أهل الأهواء، إلى أن كلام الباري - تعالى - عن قول الزائغين حادث، مستفتح الوجود، وصار صائرون من هؤلاء إلى الامتناع من تسميته مخلوقًا، مع القطع بحدوثه؛ لما في لفظ المخلوق من إيهام الخلق؛ إذ الكلامُ المختلق، هو الذي يبديه المتكلمُ تخرصًا من غير أصل، وأطلق معظم المعتزلة لفظَ المخلوق على كلام الله".
وقال في بيان تلبيس الجهمية (ج 1 / ص 410): "زعمت المعتزلة بأجمعها، والخوارج بأسرها، وأكثر الزيدية، وكثير من الشيعة والمرجئة - سوى أصحابِ الحديثِ من أهل الإرجاء - أن الله ليس بجسم ولا صورة، ولا جزء ولا عرض، وليس يشبه شيئًا من ذلك".
¥