وأنا لا أحتج بهذا في بيان مذهب ملا القارئ فإنه كان مضطرب المذهب وإنما الاحتجاج بفهمه لعبارة مالك الموافق لكلام ابن العربي والقرطبي
وقال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي المالكي:
" أما المعاني فهي معروفة عند العرب كما قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: " الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة "
كذلك يقال في النزول: النزول غير مجهول، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، واطّرده في جميع الصفات؛ لأنَّ هذه الصفات معروفة عند العرب، إلاّ أنَّ ما وصف به خالق السموات والأرض منها أكمل وأجلّ وأعظم من أن يشبه شيئاً من صفات المخلوقين، كما أنَّ ذات الخالق -جلّ وعلا- حق والمخلوقون لهم ذوات، وذات الخالق -جلّ وعلا- أكمل وأنزه وأجلّ من أن تشبه شيئاً من ذوات المخلوقين" ا. هـ
وعبارة مالك ظاهرة كما شرحها هؤلاء العلماء وجلهم مالكية، وجلهم أشاعرة، وليسوا وهابيين ولا تيميين!! حتى لا يتذرع من اعتاد التهرب من مذاهب أهل العلم تحت شعارات تشويهية باطلة.
وما ذكروه ظاهر من عبارته ومنسجم مع المعروف من مذهبه ولولا ضيق المقام لشرحت هذا الانسجام.
وما سبق ذكره ظاهر لمن نظر في الأثر بعيدا عن التعصب والتكلف ولعلي أضيف ما يؤكد هذا
فالأثر قدروي بألفظ أصحها:
" جاء رجل فقال: يا أبا عبد الله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? فكيف استوى؟
قال: فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال:
" الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلاّ مبتدعاً. فأمر به أن يُخرج " ا. هـ
، ومما جاء من ألفاظ الأثر ما يوضح مراد مالك التالي:
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ...
عن سريج بن النعمان، قال: حدّثنا عبد الله بن نافع، قال: قال مالك بن أنس: " الله في السماء وعلمه في كلِّ مكان، لا يخلو منه مكان، قال: وقيل لمالك: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، فقال مالك -رحمه الله-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء ".
قال القاضي عياض:
" قال أبو طالب المكي:
كان مالك -رحمه الله- أبعدَ الناس من مذاهب المتكلِّمين، وأشدَّهم بُغضاً للعراقيين، وألزَمَهم لسنة السالفين من الصحابة والتابعين.
قال سفيان بن عيينة: سأل رجلٌ مالكاً فقال: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى يا أبا عبد الله؟، فسكت مالكٌ مليًّا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثمَّ سُريَّ عنه فقال:
" الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنُّك ضالاًّ، أخرجوه ".
قال الحافظ ابن عبد البر -رحمه الله-: وأخبرنا محمد بن عبد الملك ... من طريق مهدي بن جعفر، ثم قال:
قال بقي: وحدّثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة، قال:
" كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له:
يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها؟، فطأطأ مالك رأسه فقال له: يا أبا عبدالله ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ? كيف استوى؟، قال: سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمت في غير معقول، إنّك امرؤ سوء، أخرِجوه، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه ".
وقال ابن رشد في البيان والتحصيل:
" قال سحنون:
أخبرني بعض أصحاب مالك أنَّه كان قاعداً عند مالك فأتاه رجل فقال: " يا أبا عبد الله مسألة؟، فسكت عنه ثم قال له: مسألة؟، فسكت عنه، ثم عاد فرفع إليه مالك رأسَه كالمجيب له.
فقال السائل: يا أبا عبد الله: ? الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ?، كيف كان استواؤه؟ فطأطأ مالك رأسَه ساعة ثم رفعه، فقال: ((سألتَ عن غير مجهول، وتكلّمتَ في غير معقول، ولا أراك إلاَّ امرأ سوء، أَخرِجوه.
هذه مجمل الروايات التي جاءت بمعنى متقارب وأحدها صريح لا يحتمل تكلف المخالف وهو قوله:
" الاستواء معقول "
فلا يصلح حمله على اللفظ وحده بل هو نص في المعنى، وباعتبارها إحدى روايات الأثر التي روت معناه وليست هي الأصح لكنها بمعنى الرواية الأصح فالاستدلال بها لا يرفضه من كان صادقا في طلب مراد مالك وهي أولى من تكلف المخالف
¥