سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟.
فقال أبو عبد اللّه: نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ "
وعن إسحاق بن منصور الكوسج قال:
قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث؟ ويراه أهل الجنة، يعني ربهم عز وجل؟ ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته، واشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه و إن موسى لطلم ملك الموت، قال أحمد: كل هذا صحيح، قال إسحاق: هذا صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي. آجري
أما التعبير بالرؤية بما يشمل حكم باقي الصفات
فعن حنبل قال: قلت لأبي عبد الله يعني أحمد في الرؤية
قال: أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر وكلما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم بأسانيد جيدة نؤمن به ونقر
وفي رواية أخرى قال أبو عبد الله أدركت الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين
وأما عن غيره من السلف فعن الوليد بن مسلم قال:
سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا: " أمروها بلا كيف "
وقيل لسفيان بن عينية هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية فقال حق على ما سمعناها مما نثق به // رجاله ثقات
وعن العباس بن محمد الدوري قال سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول وذكر عنده هذه الأحاديث في الرؤية فقال هذه عندنا حق نقلها الناس بعضهم عن بعض // إسناده صحيح
فتقرير أحمد السابق أن تفسير النصوص في الرؤية قد يخفى على البعض فلا يعرفه يدل على أنه معروف في الأصل، وهو تأصيل لباب الصفات كلها كما دلت عبارات أحمد الأخرى وغيرها
ـ الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 276 هـ
قال رحمه الله:
" الواجب علينا أن ننتهي في صفات الله إلى حيث انتهى في صفته أو حيث انتهى رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نزيل اللفظ عما تعرفه العرب ونضعه عليه ونمسك عما سوى ذلك "
عن كتابه اختلاف اللفظ ص25.
وسيأتي في باب التطبيقات ما يجلي مذهبه
ـ الإمام أبو العباس ابن سريج كبير الشافعية في زمانه ت 303 هـ
قال في رسالته في الاعتقاد عن نصوص الصفات:
" ... أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، ولا نفسرها ولا نكيفها ولا نترجم عن صفاته بلغة غير العربية، ولا نشير إليها بخواطر القلوب ولا بحركات الجوارح، بل نطلق ما أطلقه الله عز وجل ونفسّر ما فسّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون والأئمة المرضيون من السلف المعروفين بالدين والأمانة، ونجمع على ما أجمعوا عليه، ونمسك عن ما أمسكوا عنه، ونسلم الخبر الظاهر والآية الظاهرة تنزيلها، لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة، بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل، ونقول: الإيمان بها واجب، والقول بها سنة، وابتغاء تأويلها بدعة .. " ا. هـ
فبصريح كلامه ومنطوقه أن لنا أن نترجم الصفات بمفهومها في لغة العرب
وأيضا بصريح كلامه ومنطوقه أن الأئمة من السلف فسروا نصوص الصفات وأن لنا أن نفسر بتفسيرهم وهو ما سيأتي في تطبيقات السلف
ـ الإمام محمد بن جرير بن يزيد الطبري ت 310 هـ
قال في كتابه " التبصير في معالم الدين " [ص: 132 - 142]:
¥