" القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا لا استدلالاً ... وذلك نحو إخباره عزوجل أنه: (سميع بصير) وأن له يدين بقوله: (بل يداه مبسوطتان)، أن له يمينا لقوله: (والسماوات مطويات بيمينه)، وأن له وجها بقوله: (كل شي هالك إلاّ وجهه) وقوله: (ويبقى وجه ربك)، وأن له قدما بقول النبي: (حتى يضع الرب فيها قدمه)، وأنه يضحك بقوله: (لقي الله وهو يضحك إليه)، وأنه يهبط كل ليلة وينزل إلى سماء الدنيا لخبر رسول الله بذلك، وأنه ليس بأعور لقول النبي
إذ ذكر الدجال فقال: (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)، وأن المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة بأبصارهم كما يرون الشمس ليس دونها غياية، وكما يرون القمر ليلة البدر، لقول النبي، وأن له أصابع لقول النبي: (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن) " إلى أن قال:
"فإن قيل: فما الصواب من القول في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل و وحيه وجاء ببعضها رسول الله، قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نَعرف من جهة الإثبات ونفي الشبيه كما نفى ذلك عن نفسه جل ثناؤه فقال: (ليس كمثله شي وهو السميع البصير)."
فهذا صريح منه في أن الصواب في نصوص الصفات الخبرية أن نثبت من معانيها حقائقها على ما نعرف منها
والمراد بحقائقها ما هو ضد المجاز لأن الحقائق بمعنى الكيفيات ممتنع بالاتفاق وقوله على ما نعرف دال على ذلك فالكيفيات لا تعرف
ـ الإمام أبو الحسن الأشعري ت323 هـ
الإمام الأشعري في آخر أمره يرى أن معاني الصفات معلومة على ضوء لغة العرب
فها هو يقول عند ذكره للنصوص الواردة في الصفات الخبرية وعند تعرضه لصفة اليد، بعد ذكر النصوص الدالة على إثبات اليد:
" وليس يجوز في لسان العرب ولا في عادة أهل الخطاب أن يقول القائل: عملت كذا بيدي ويعني به النعمة.
وإذا كان الله عز و جل إنما خاطب العرب بلغتها وما يجري مفهوما في كلامها ومعقولا في خطابها وكان لا يجوز في خطاب أهل اللسان أن يقول القائل: فعلت بيدي (1/ 127) ويعني النعمة بطل أن يكون معنى قوله تعالى: (بيدي) النعمة.
وذلك أنه لا يجوز أن يقول القائل: لي عليه يدي بمعنى لي عليه نعمتي ومن دافعَنا عن استعمال اللغة ولم يرجع إلى أهل اللسان فيها دوفع عن أن تكون اليد بمعنى النعمة.
إذ كان لا يمكنه أن يتعلق في أن اليد النعمة إلا من جهة اللغة فإذا دفع اللغة لزمه أن لا يفسر القرآن من جهتها، وأن لا يثبت اليد نعمة من قبلها لأنه إن روجع في تفسير قوله تعالى: (بيدي) نعمتي فليس المسلمون على ما ادعى متفقين وإن روجع إلى (1/ 128) اللغة فليس في اللغة أن يقول القائل: بيدي يعني نعمتي وإن لجأ إلى وجه ثالث سألناه عنه ولن يجد له سبيلا
إلى أن قال:
وإن قالوا: قلنا ذلك من القياس
قيل لهم: ومن أين وجدتم في القياس أن قوله تعالى: (بيدي) لا يكون معناه إلا نعمتي؟ ومن أين يمكن أن يعلم بالعقل أن تفسير كذا وكذا مع أنا رأينا الله عز و جل قد قال في كتابه العزيز الناطق على لسان نبيه الصادق (1/ 129): (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) من الآية (4/ 14) وقال تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) من الآية (103/ 16) وقال تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا) من الآية (3/ 4) وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله) من الآية (82/ 4) ولو كان القرآن بلسان غير العرب لما أمكن أن نتدبره ولا أن نعرف معانيه إذا سمعناه فلما كان من لا يحسن لسان العرب لا يحسنه وإنما يعرفه العرب إذا سمعوه على أنهم إنما علموه لأنه بلسانهم نزل وليس في لسانهم ما ادعوه ...
إلى أن قال:
" فإن قالوا إذا أثبتم لله عز و جل يدين لقوله تعالى: (لما خلقت بيدي) فلم لا أثبتم له أيدي لقوله تعالى: (مما عملت أيدينا) من الآية (71/ 36)؟
¥