" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله: (وهو معكم أينما كنتم) ونحو ذلك من القرآن أنه علمه وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء
وقال أهل السنة في قوله الرحمن على العرش استوى إن الإستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز فقد قال قوم من المعتزلة والجهمية لا يجوز أن يسمى الله عزوجل بهذه الإسماء على الحقيقة ويسمى بها المخلوق
فنفوا عن الله الحقائق من أسمائه وأثبتوها لخلقه فإذا سئلوا ما حملهم على هذا الزيغ قالوا الإجتماع في التسمية يوجب التشبيه
قلنا هذا خروج عن اللغة التي خوطبنا بها لأن المعقول في اللغة أن الإشتباه في اللغة لا تحصل بالتسمية وإنما تشبيه الأشياء بأنفسها أو بهيئات فيها كالبياض بالبياض والسواد بالسواد والطويل بالطويل والقصير بالقصير ولو كانت الأسماء توجب إشتباها لاشتبهت الأشياء كلها لشمول إسم الشيء لها وعموم تسمية الأشياء به فنسألهم أتقولون إن الله موجود فإن قالوا نعم قيل لهم يلزمكم على دعواكم أن يكون مشبها للموجودين
وإن قالوا موجود ولا يوجب وجوده الإشتباه بينه وبين الموجودات
قلنا فكذلك هو حي عالم قادر مريد سميع بصير متكلم يعني ولا يلزم إشتباهه بمن اتصف بهذه الصفات " ا. هـ
هنا ختم الإمام الطلمنكي تطبيقه الصريح في إثبات معنى الاستواء عندما نص بأنه بذاته وأنه على حقيقته، ختمه بتأصيل صريح أيضا عندما أنكر على المعتزلة نفيهم حقائق الصفات وخروجهم عن حقيقة الخطاب اللغوي في سائر الصفات ما كان على منوال صفة الاستواء وهي خبرية أو غيرها من باقي الصفات
فبين بهذا أصل أهل السنة المجانب للمعتزلة وهو إثبات هذه الصفات التي هي من قبيل الاستواء على حقائقها لا مجازاتها على مقتضى الخطاب العربي
وعبر عن الصفات بصيغة الأسماء تماما كما تقدم عن الإمام ابن راهويه.
وكلام الطلمنكي واضح في أنه أراد الصفات، إذ عبر عن الاستواء بذلك وهو صفة باتفاق فعندما كان لكل صفة لفظ يعبر عنها ويعتبر بالنسبة لحقيقتها كالاسم فمن هنا جاز الاطلاق
ـ شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني
قال رحمه الله:
" وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغرها من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون: آمنا به، كل من عند ربنا. وما يذكر إلا أولو الألباب " أ. هـ.
ـ الإمام ابن عبد البر حافظ أهل المغرب ت463 هـ
قال رحمه الله في التمهيد (7/ 131):
" وأما قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم) فمعناه من على السماء يعني على العرش، وقد تكون في بمعنى على، ألا ترى إلى قوله تعالى: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) أي على الأرض وكذلك قوله: (لأصلبنكم في جذوع النخل) وهذا كله يعضده قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه) وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب.
وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء، وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له، لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز.
إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله عز و جل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم.
¥