إصبعاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل " فإن هذه المعاني التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما لا يدرك حقيقته بالفكر والروية فلا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".
تأمل قوله:
" فإن كان الوارد بذلك خبراً يقوم في الفهم مقام المشاهدة في السماع وجبت الدينونة على سامعه بحقيقته والشهادة عليه كما عاين وسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولكن يثبت هذه الصفات وينفي التشبيه كما نفى ذلك عن نفسه تعالى ذكره فقال: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ا. هـ
فالمثبَت عندهم قائم في الفهم وهو على الحقيقة
ـ الفضيل بن عياض
قال مرعي في أقاويل الثقات:
" وللسلف أن يقولوا إن هذه الأوصاف على ظاهرها، وهذا التعليل لا يستلزم أن يكون كذلك في حقه تعالى كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر تستلزم من النقص في حقنا ما يجب تنزيه الله تعالى عنه من جهة أنها أعراض ونحوه فمذهب السلف أسلم لا سيما وقد نقل البخاري وغيره عن الفضيل بن عياض قدس الله روحه أنه قال:
" ليس لنا أن نتوهم في الله كيف هو لأن الله عز و جل وصف نفسه فأبلغ فقال: (قل هو الله أحد) السورة
فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه فهذا النزول والضحك وهذه المباهاة وهذا الإطلاع كما شاء الله أن ينزل وكما شاء أن يباهي وكما شاء أن يضحك وكما شاء أن يطلع فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف فإذا قال الجهمي أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء " ا. هـ
ونقل هذا عن الفضيل جماعة؛ منهم البخاري في أفعال العباد مختصرا،
ورواه الخلال واللفظ له وابن بطة كلاهما من طريق الأثرم وهو عنده في السنة ونقله من كتاب السنة شيخ الإسلام
قال الأثرم في السنة: حدثنا إبراهيم بن الحارث - يعني العبادي - قال: حدثني الليث بن يحيى، قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث، يقول: سمعت فضيل بن عياض يقول فذكره
وأسنده اللالكائي
قال: أخبرنا أحمد قال أخبرنا عمر قال ثنا أحمد بن الحسن قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال ثنا أبو محمد البلخي قال: قال الفضيل بن عياض
و نقل طرفا من سنده الصابوني في عقيدته.
ونقله الإمام الهروي بإسناده في كتابه الفاروق فقال: ثنا يحيى بن عمار ثنا أبي، قال ثنا يوسف بن يعقوب، قال ثنا حرمي بن علي البخاري وهانئ بن النضر عن الفضيل.
فهنا أثبت الإمام الفضيل بعض معنى الصفة من كون النزول فعلا قائما بالله هو في البشر حركة، وأثبت بعض لازمها من كونه يتعلق بالمشيئة فيفعل بناء عنها
وكل هذا إثبات للمعنى وإن كان بعضا من معانيها
ولم يستجب لعبارات الجهمي كما أنه لم ينفها.
ولكون هذا الحوار والسيناريو كاملا هو من عند الإمامِ الفضيل وتصوّرِه، فهذا يدل على أن الفضيل إنما ساغه ليقرر به إثبات ما يرمي الجهمي لنفيه والفرار منه بتلك العبارات، وهذا جانب آخر من إثبات الفضيل للمعنى.
فقرينة الإقرار باللازم بعبارة أنسب هي دالة على حقيقة الإثبات لمعنى الصفة
كما أن استلزام الانتقال من النزول تجهم
ـ الإمام يحيى بن معين
فعن يحيى بن معين قال:
" إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يريد " ا. هـ
رواه اللالكائي قال: أخبرنا الحسين بن عمر قال ثنا أحمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال: سمعت يحيى بن معين يقول فذكره
هذه المقابلة بين القولين من الإمام ابن معين دالة على أن ما نفاه الجهمي من معنى النزول يثبته ابن معين، وعبر بقريب من عبارة الفضيل، فما قيل هناك يقال هنا.
ثم دلالة هذين اللفظين أو مجموعهما على إثبات معنى النزول ظاهرة فالتجاوب مع التساؤلات القائمة على لوازم المعنى الحقيقي بجواب يقتصر فقط على عدم الإلتزام بهذه اللوازم هو دال بوضوح على إثبات أصل المعنى الحقيقي الذي نشأت عنه تلك اللوازم في ذهن المتسائل المعطل
ـ أبو عبيدة معمر بن المثنى
¥