وأكد هذا الإثبات الحقيقي باستمراره على الجواب بنفس المسار (إثباتا) مع تصريح السائل بمعنى النزول عنده وأنه الذي يعقبه خلو المكان المنزول منه من النازل
فتبين بما لا مجال للشك أن ابن المبارك أجاب بالإثبات عن ذات هذا المعنى دون التزامه بما ألزمه به السائل، فهو قطعا على دراية بالمعنى المسؤول عنه ومع هذا أراده وعلقه بمشيئة الله وأن له كيفية ما، مع تجنبه الخوض في مسألة الخلو
وهذا ما لا يستقيم البتة مع مذهب التفويض
ومما جاء عنه أيضا:
ما رواه الخلال في كتاب السنة: أخبرنا أبوبكر المروذي قال:
سمعت أبا عبدالله قيل له: روي عن علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك أنه قيل له: كيف نعرف الله عز و جل؟ قال على العرش بحد.
قال [أحمد]: قد بلغني ذلك عنه وأعجبه، ثم قال أبو عبدالله: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) ثم قال: (وجاء ربك والملك صفا صفا)
قال الخلال:
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل:
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ - قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.
فقال أحمد: هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه -: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد
وقال الدارمي:
وسئل عبدالله بن المبارك بم نعرف ربنا؟
قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه
قيل: بحد؟ قال: بحد
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن على بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك به
وانظر العلو للذهبي
وقال ابن بطة:
حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب قال ثنا أبي أحمد بن عبد الله قال ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم قال حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال قلت لأحمد بن حنبل ...
قال وحدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال سمعت أبا عبد الله وقيل له روى علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك ...
وفيه إقرار أحمد وإسحاق لقوله بحد
وهو في السنة لعبد الله أيضا
وفي التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 142)
" قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات "
ورواه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن الحسن
فهذا أثر صحيح عن ابن المبارك وهو صريح بل يصيح بالإثبات صياحا وهل يجرؤ مَن عنده ذرة من المروءة العلمية على القول بأن إثبات الحد لا يحمل معنى وأنه تفويض؟!
هذا ما لا يجرؤ عليه إلا من ابتلي بالعناد
فقول ابن المبارك: " على عرشه بحد " نص على أنه أثبت علو الذات فإن معنى قوله هذا أنه تعالى مباين بهذه الفوقية ومنفصل عن كل خلقه وهذا يعني أن هناك حدا فاصلا بينه وبين خلقه وهذا يستحيل حمله على غير الذات
قال الدارمي:
" ومما يبين ذلك قوله تعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}.
ففي هذه الآية بيان لتحقيق ما ادعينا للحد، فإنه فوق العرش بائن من خلقه، ولإبطال دعوى الذين ادعوا أن الله في كل مكان ... " ا. هـ
وقال أيضاً:
" لأن الكلمة قد اتفقت من الخلق كلهم أن الشيء لا يكون إلا بحد وصفة " ا. هـ انظر الرد على الجهمية
وهو قول أحمد وإسحاق كما في هذه الآثار
والحد كمصطلح لم يرد لفظه في النصوص وإنما جاء في اصطلاحات أهل العلم وله عدة معاني فمن عبر به وأراد معنى جاء به النص قبلنا منه مراده ولا تلزمنا عبارته ولا مشاحة في الاصطلاح ومن أراد به معنى باطلا رددنا لفظه ومعناه وأنكرنا عليه.
ومن المعاني التي نستنكر التعرض لها الحد بمعنى التحديد الذي هو التكييف وفي فصل الكيفية بيان لهذا
روى اللالكائي والذهبي في تذكرة الحفاظ كلاهما
من طريق محمد بن احمد بن محمد بن سليمان غنجار عن أبي نصر أحمد بن عمرو بن محمد بن موسى قال ثنا أحمد بن خالد بن الخليل قال ثنا محمد بن أحمد بن حفص قال ثنا أبي قال: قال افلح بن محمد:
قلت لابن المبارك: إني أكره الصفة يا أبا عبد الرحمن ـ عنى صفة الرب عز و جل ـ
¥