فقالوا: أي مكان؟
فقلنا: أجسامكم وأجوافكم وأجواف الخنازير والحشوش والأماكن القذرة ليس فيها من عظم الرب شيء، وقد أخبرنا أنه في السماء فقال (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) وقال: (إليه يصعد الكلم الطيب) وقال: (إني متوفيك ورافعك إلي) وقال: (بل رفعه الله إليه)
وقال: (وله من في السموات والأرض ومن عنده) وقال: (يخافون ربهم من فوقهم) وقال: (ذي المعارج) وقال: (وهو القاهر فوق عباده) وقال: (وهو العلي العظيم)
فهذا خبر الله أخبرنا أنه في السماء ووجدنا كل شيء أسفل منه مذموما يقول الله جل ثناؤه: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) وقال: (الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين)
وقلنا لهم: أليس تعلمون أن إبليس كان مكانه، والشياطين مكانهم فلم يكن الله ليجتمع هو وإبليس في مكان واحد، وإنما معنى قول الله جل ثناؤه: (وهو الله في السموات وفي الارض) يقول: (هو إله من في السموات وإله من في الأرض)
وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش، ولا يخلو من علم الله مكان ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما " ا. هـ
بالله تأمل كلامه سياقا وألفاظا فإن المعاني فيه تصرخ صراخا، ولو أذن الله لها أن تقول لك كلمة فأظنها ستقول لك ما معناه: اتق الله فِيّ أيها المفوض.
وفي الإبانة لابن بطة:
" وقال أبو عبد الله: قول الله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وجاء ربك والملك صفا صفا فمن قال إن الله لا يرى فقد كفر "
وعنده وعند الخلال:
" عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: نعبد الله بصفاته كما وصف به نفسه قد أجمل الصفة لنفسه ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه ولا نتعدى ذلك.
ونؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه تعالى ذكره صفة من صفاته شناعة شنعت ولا نزيل ما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم القيامة ووضع كنفه عليه هذا كله يدل على أن الله يرى في الآخرة والتحديد في هذا بدعة " ا. هـ
نقله عن الخلال شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم.
ما علاقة الإتيان والمجيء والنزول في الدلالة على الرؤية؟
ما هذا إلا دليل على إثبات أحمد لمعاني هذه الصفات وأنها صفات تقوم بذاته التي تُرى فهو إتيان بالذات، ومجيء بالذات، ونزول بالذات.
يستحيل دلالة هذه الصفات على الرؤية كما نص أحمد بغير ما ذكرتُ
قال أبو يعلى: في إبطال التأويلات بعد ذكره لقول أحمد في آية المجيء وربطها بالرؤية:
" وظاهر هذا أن أحمد أثبت مجيء ذاته لأنه احتج بذلك على جواز رؤيته وإنما يحتج بذلك على جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات " ا. هـ
روى الإمام ابن أبي حاتم في كتاب مناقب أحمد فقال:
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال: سمعت سلمة بن شبيب قال كنت عند أحمد بن حنبل فدخل عليه رجل في يده عكازة عليه أثر السفر فقال: من فيكم أحمد؟ فأشاروا إلى أحمد.
فقال إني ضربت البر والبحر من أربع مائة فرسخ أتاني الخضر عليه السلام [في المنام كما في الروايات الأخرى] وقال:
ائت أحمد بن حنبل فقل له: " إن ساكن السماء راض عنك لما بذلت نفسك في هذا الأمر ".
وهو في كتاب " الجرح والتعديل "
وانظر تاريخ دمشق (5/ 315) فله طرق أخرى عن سلمة بن شبيب والخبر صحيح
وفيه إقرار أحمد لقوله ساكن السماء وهو معنى صِرف لفوقية الله
وقال أحمد بن حنبل في الرد على الجهمية:
" إن الله لم يزل متكلماً إذا شاء "
وهل هذا تفويض؟ إذًا لماذا نفاه عامة الأشاعرة وزعموا أن كلامه انقطع منذ الأزل وأنه عندهم تكلم في الأزل فقط ولا يتكلم ولن يتكلم؟!!
وفي اعتقاد أحمد للتميمي وهو من المتكلمين الذين هم أقرب إلى مذهب متقدمي الأشاعرة، ففيه عن أحمد:
" وكان يقول في معنى الاستواء هو العلو والارتفاع "
وهذا يمثل اعترافا بثبوت هذا عن أحمد لأنه صدر من متكلم جار على أصول متقدمي الأشاعرة
وقال أحمد في الرد على الجهمية:
¥