ـ الأول هو الذي تتابع السلف على ترك التعرض له وهو المعنى المفصل للصفة والذي هو من قبيل التكييف لا أصل المعنى، هذا من جهة الإثبات، فتكون العبارة: " لا كيف ولا معنى يوقع فيه أو يقوم مقامه "
ـ والثاني هو المعنى الذي يؤدي لنفي الصفة كالتأويل، وقد صح عن أحمد فيما لا خلاف في ثبوته عنه إنكارُه للتأويل في عبارات عدة في صفة الضحك والنزول واليد ونحوها فمن المناسب حمل عبارته عليه، فلا كيف ولا معنى (من المعاني التي تقول بها الجهمية والنفاة)
والذي يؤكد أن المعنى المنفي في عبارة أحمد ليس هو أصل معنى الصفة
ما جاء في هذا الأثر نفسه الذي تشبث به المفوض.
فقدْ مثّل السائل بصفات هي التي نفى أحمد عنها وأمثالها المعنى، وجاء منها قوله: " وأن الله يُرى " ولا خلاف أن أحمد وغير أحمد من السلف وعامة الخلف لا ينفون معنى الرؤية وأنها الرؤية الحقيقية وهي النظر بالعين عيانا من العبد المؤمن إلى ربه من غير حجاب فيرى وجه ربه ويتلذذ برؤيته رؤية صريحة واضحة كما نرى القمر ليلة البدر.
إذًا تبين أن أحمد لا ينفي أصل المعنى وكلَّ معنى، وليس للمخالف أن ينتقي من عبارة أحمد ما يحلو له و يتغافل عما لا يحلو له
ومما يؤكد ما ذكرته هنا وإن كان ما ذكرته كاف ما جاء في بعض ألفاظ الأثر ورواياته:
فقد نقل الإمام ابن القيم الأثر عن الخلال دونها فقال في اجتماع الجيوش:
قال الخلال:
وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلاً حدثهم قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروي أن الله سبحانه ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يرى، وأن الله يضع قدمه، وما أشبه هذه الأحاديث؟.
فقال أبو عبد اللّه: نؤمن بها ونصدق بها، ولا نَرُدُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كانت أسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ وَهُوَ السّمِيع البَصيرُ " سورة الشورى آية 11.
وكذا نقله اللالكائي بنحوه دونها:
قال حنبل بن اسحاق: قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه و سلم إن الله ينزل إلى السماء الدنيا
فقال أبو عبد الله نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد شيئا منها إذا كانت اسانيد صحاح ولا نرد على رسول الله قوله ونعلم أن ما جاء به الرسول حق حتى قلت لأبي عبد الله ينزل الله إلى سماء الدنيا قال قلت نزوله بعلمه بماذا
فقال لي اسكت عن هذا مالك ولهذا امض الحديث على ما روي بلا كيف ولاحد وإنما جاءت به الأثار وبما جاء به الكتاب
قال الله عزوجل: (ولا تضربوا لله الأمثال) ينزل كيف يشاء بعلمه وقدرته وعظمته أحاط بكل شيء علما لا يبلغ قدره واصف ولا ينأى عنه هرب هارب
وكذا الذهبي في السير عندما قال:
قال حنبل بن إسحاق: سألت أبا عبد الله عن الاحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل إلى سماء الدنيا " (3)، فقال: نؤمن بها، ونصدق بها، ولانرد شيئا منها، إذا كانت أسانيد صحاحا، ولانرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله، ونعلم أن ما جاء به حق.
بينما نقله الإمام ابن قدامة في تحريم النظر بسياق أوضح فقال:
" وقال حنبل: سألت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه عن هذه الأحاديث التي تروي أن الله تبارك وتعالى يرى وأنه ينزل إلى سماء الدنيا وأنه يضع قدمه وما أشبه ذلك
فقال أبو عبد الله رضي الله عنه:
نؤمن بها ونصدق بها ولا نرد منها شيئا إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الرسول قوله
ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
فنقول كما قال ونصفه كما وصف نفسه لا نتعدى ذلك ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت
نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت بلا كيف ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تبارك وتعالى وهو كما وصف نفسه سميع بصير بلا حد ولا تقدير، صفاته منه وله
لا نتعدى القرآن والحديث والخبر ولا نعلم كيف ذاك إلا بتصديق الرسول وتثبيت القرآن " ا. هـ
فنفى هنا المعنى ولم يكتف بالنفي بل استثنى مباشرة المعنى الذي دل عليه ظاهر النص عندما قال:
" ولا معنى إلا على ما وصف به نفسه تبارك وتعالى "
¥