فقال له بعض القواد: كيف ينزل؟ قال: أثبته فوق حتى أصف لك النزول.
فقال الرجل: أثبته فوق، فقال إسحاق: قال الله: (وجاء ربك والملك صفا صفا)
فقال ابن طاهر: هذا يا أبا يعقوب يوم القيامة!
فقال: ومن يجيء يوم القيامة من يمنعه اليوم؟!
قال الصابوني:
سمعت الحاكم أبا عبدالله يقول: سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول: سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم بن عبدالله الرباطي يقول: حضرت مجلس الأمير ... فذكره
قوله: " أثبته فوق " صريح في إثبات المعنى، وفيه تهيئة المخالف لقبول معنى النزول
وقوله: " حتى أصف لك النزول " قاطع للنزاع، فهو نص منه في أنه يتبنى العلم بمعنى النزول
واستدلاله بالمجيء على النزول لا يكون إلا مع إثبات المعنى وإلا لكان استدلالا بما في غير محله
وفرقان ما بيننا وبين مخالفينا، فهم لا يملكون توجيه الآثار بما يتلاءم مع كل ألفاظها، فالأثر الواحد يحملونه على ما لايلائم بقيته
بينما نحن نوجه الآثار بما يناسب ظاهرها وبما يتناسب مع جميع ألفاظ الأثر الواحد وبما يناسب دلالة سياقه وبما ينسجم مع باقي أقوال صاحب الأثر
لكنهم لا ينصفون وإنما ديدنهم سياسة تقطيع الألفاظ وقصها عن سياقاتها والعبث بمدلول الآثار تحكما
قال الخلال:
وأنبأنا محمد بن علي الوراق حدثنا أبو بكر الأثرم حدثني محمد بن إبراهيم القيسي قال: قلت لأحمد بن حنبل:
يحكى عن ابن المبارك - وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ - قال: في السماء السابعة على عرشه بحد.
فقال أحمد: هكذا هو عندنا
وأخبرني حرب بن إسماعيل قال: قلت لإسحاق - يعني ابن راهويه -: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد
وعند ابن بطة:
حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال ثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال ثنا أبو بكر المروذي قال:
سمعت أبا عبد الله .. فذكره بنحوه
فها هو إسحاق بن راهويه يثبت أنه تعالى على عرشه بحد وهذا إثبات لمعنى الفوقية، فضلا عن دلالة هذا الحد منه على أنها فوقية الذات وهو صريح معناه.
وقال إسحاق بن راهويه عن حديث الرجل الذي قال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ فِي عَمَاءٍ " فقال إسحاق:
" قوله: (في عماء قبل أن يخلق السموات والأرض) تفسيره عند أهل العلم أنه كان في عماء يعني سحابة " ا. هـ
وهل يكون هذا التفسير مع تفويض؟!
وكما تقدم تفسير متعلق الصفة دليل على إثبات معنى الصفة
ـ هشام بن عبيد الله الرازي
فقد روى ابنُ أبي حاتم أن هشام بن عبيد الرازي، صاحب محمد بن الحسن قاضي الري حبس رجلاً في التجهّم، فتاب فجيء به إلى هشام ليمتحنه، فقال: الحمد لله على التوبة، فامتحنه هشام فقال: أشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه.
فقال: أشهد أن الله على عرشه، ولا أدري ما بائن من خلقه، فقال: ردوه إلى الحبس، فإنه لم يتب.
رواه ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي: سمعت أبي يقول: سمعت هشام بن عبيد الله الرازي فذكره
فالقاضي هشام اعتبر عدم درايته بمعنى لفظ بائن مانعا من كونه مثبتا لهذه الصفة مع أنه في مقام توبة وهذا في لفظ بائن وهو غير منصوص عليه فكيف بما هو منصوص
فدل على أن دعوى جهل المعاني هو من طرائق الجهمية ومهرب ومفر لهم عندما تغلق أمامهم الأبواب، وعند وقوعهم في قبضة السلطان (سلطان الحكم أو سلطان العلم) فكيف إذا اجتمعا؟!
ـ الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام.
قال الإمام البيهقي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ":
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَازَرُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:
يُقَالُ السُّبْحَةُ: إِنَّهَا جَلالُ وَجْهِهِ وَنُورُهُ "
وهو في كتاب أبي عبيد " غريب الحديث " مادة سبح قال رحمه الله:
" ففي حديثه عليه السلام حين ذكر الله تعالى فقال: حجابه النور لو كَشفَه لأحرقتْ سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره فقال:
يقال في السُّبحة: إنها جلال وجهه ونوره ... " ا. هـ
¥