وهذا تفسير صريح لصفة الوجه وللنور، إذ نوره تعالى من الصفات الخبرية التي أنكرتها الأشاعرة.
ولذلك فجلهم يؤولون النور بالهادي وبالنور المعنوي ولا يثبتون لله نورا حقيقيا بمعنى الضياء، بل يرون إثباته تشبيها وتجسيما وضلالا نعوذ بالله من التعطيل.
فهنا فسر الإمام أبو عبيد سبحات الوجه والتي هي من صفة وجهه تعالى فسرها بالنور والجلال المنبعث منه إلى خلقه والمحرِق لما ينتهي إليه منها لو كشف عنه.
وأبوعبيد عندما فسر السبحات إنما فسرها على ضوء سياقها في الحديث ولا يزعم منصف صادق بعد هذا التفسير أن أبا عبيد يفوض السبحات إلا من كان في سبات
فتفسيرها بالنور هو إثبات لمعناها عنده، ولو كان مذهبه تفويض الصفات لما فسر السبحات
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي فيه بأن الله كان في عماء قبل خلقه السماوات والأرض فقال أبو عبيد:
" قوله: في عماء، في كلام العرب السحاب الأبيض، قال الأصمعي:
وغيره: هو ممدود ... وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ولا ندري كيف كان ذلك العَمَاءُ وما مبلغه والله أعلم " ا. هـ
كل هذا كلام أبي عبيد في كتابه غريب الحديث
وتأمل بالله قوله:
" وإنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم ولا ندري كيف كان ذلك العَمَاءُ وما مبلغه والله أعلم " ا. هـ
فهو بهذا الكلام ينبه على أنه اعتمد معنى العماء لغة وجعله تفسيرا للحديث وأنه معنى معقول (حقيقي) في أصل معناه (كان الله على سحاب) لكن فوض كيفية السحاب الذي كان الله عليه
ولو كان أبو عبيد يرى أن هذا الحديث على غير حقيقته وأن الله لم يكن في الحقيقة على سحاب قبل خلق السماوات لما شرح العماء ولما اكتفى بتفويض الكيف المتعلق بالسحاب فقط
ولا يأتينا مفوّض ويجيب بأن الحديث في نقده هو " ضعيف " فهذا من التلبيس لأننا سقنا الكلام لبيان موقف أبي عبيد من الحديث وكيف أنه فسره أما الموقف الصحيح من الحديث عندي أو عندك فهذا شيء آخر ثم الحديث حسن على الراجح وليس هذا محل بيانه.
وقال أبو عبيد في غريبه:
" في حديث عروة بن الزبير أنّه كان يقول في تلبيته: لَبَّيْك رَّبَنَا وحَنَانَيْك قال: حدثناه أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه.
ثم قال أبو عبيد:
قوله: حَنَانَيْك يريد: رحمتك ; والعرب تقول: حَنانَك يا رب وحَنَانَيْك يا رب بمعنى واحد ; قال امرؤ القيس: (الوافر) ... ويَمْنَحُها بَنُو شَمَجَى بن جَرْم ... مَعيزَهْم حَنانَك ذَا الحَنَانِ يريد: رحمتك يا رب " ا. هـ
فالرحمة والحنان بمعنى واحد كما فسر هذا الإمام، إذًا الرحمة صفة قائمة بالله بمعنى حنانه تعالى وتحننه، وليست كما يقول الأشاعرة إنها مؤولة بالإرادة
فهل تفسير الحنان بالرحمة أو العكس هو تفويض؟!
إذا ما فائدة هذا المرادف الذي لا يزيد الصفة إلا جهالة؟
هذا كلام من لا يعي أصول العلم
وذكر أبو عبيد حديث: " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن "
فقال رحمه الله:
" أما قوله: كأذنه يعني ما استمع الله لشئ كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن وعن مجاهد في قوله تعالى " وأذنت لربها وحقت ".
قال: سمعت أو قال: استمعت شك أبو عبيد، يقال: أذنت للشئ آذن [له] أذنا إذا استمعته "
والاستماع قدر زائد على مجرد السماع فهو خبري وحكمه حكم الخبريات
قال الحافظ الذهبي عن الإمام أبي عبيد:
" توفي أبو عبيد سنة أربع وعشرين ومائتين وقد ألف كتاب غريب الحديث وما تعرض لأخبار الصفات بتفسير بل عنده لا تفسير لذلك غير موضع الخطاب للعربي " ا. هـ
فليس من مذهبه إلا حمل النصوص على مفهوم الخطاب العربي دون الاشتغال بتفسيرها على غير موضع الخطاب
ـ الإمام إسماعيل بن يحيى المزني رحمه الله ت 264 هـ
قال الإمام المزني رحمه الله في شرح السنة ص (75):
" فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير، العليم الخبير، المنيع الرفيع، عال على عرشه في مجده بذاته، وهو دان بعلمه من خلقه أحاط علمه بالأمور وأنفذ في خلقه سابق المقدور وهو الجواد الغفور (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) " ا. هـ
قوله: " بذاته " هو إثبات صريح للمعنى.
ـ الإمام أبوحاتم محمد بن إدريس الرازي ت 27 هـ
روى ابن المحب في الصفات بسنده عن أبي حاتم أنه قال:
¥