وتعريف إسحاق للتشبيه بأنه يد كيدي وحصره للتشبيه في هذا بأداة الحصر إنما، وصدوره من هذا الإمام وإقرار الترمذي له يدل على أنه تعريف دقيق للتشبيه.
ولو كان مجرد إثبات اليد على معناها الحقيقي تشبيها لكان تعريف الإمام إسحاق بموافقة الترمذي تعريفا عائما قاصرا لا معنى له بل موهما لحصره التشبيه فيه.
ويؤكد هذا أن هناك جماعة من السلف تتابعوا على تعريف التشبيه بنفس تعريف إسحاق ويكاد بلفظه منهم الإمام أحمد
فهل تتابعُ جماعة من السلف على هذا التعريف كان لمجرد تعبير عائم ناشئ عن عدم دقة ودراية وليس عن مفهوم متفق عليه عندهم؟
هل هذا هو الظن اللائق والمناسب بهم؟
وقال الترمذي رحمه الله عندما أورد حديث: والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم رجل بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}
فقال عن هذا الحديث:
" وفسر بعض أهلم العلم هذا الحديث فقالوا إنما هبط على علمِ الله وقدرتِه وسلطانه، علمُ الله وقدرتُه وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه " ا. هـ
وهذا صريح في إثبات العلو الذاتي الحقيقي وليس معناه العلو المعنوي لأن الترمذي كان في صدد نفي كون الله في الأرض كما هو ظاهر الحديث المنكر الذي كان الترمذي يتكلم عنه " لو أنكم دليتم رجلا بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله "
و قال الترمذي في سننه:
" وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف، هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها على غير ما فسر أهل العلم وقالوا إن الله لم يخلق آدم بيده وقالوا إن معنى اليد ها هنا القوة وقال إسحاق بن إبراهيم إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد أو مثل يد أو سمع كسمع أو مثل سمع فإذا قال سمع كسمع أو مثل سمع فهذا التشبيه وأما إذا قال كما قال الله تعالى يد وسمع وبصر ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع فهذا لا يكون تشبيها وهو كما قال الله تعالى في كتابه: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)
فأثبت اليد على النحو الذي ثبت به السمع والبصر وهو إثبات معنى
ـ الإمام ابن قتيبة الدينوري:
قال في كتابه (الرد على الجهمية والمشبهة) بعد أن فند أقوالهم في تأويل اليدين، وردها بالأدلة الجازمة، قال:
" فإن قال لنا: ما اليدان ها هنا؟
قلنا: هما اليدان اللتان تعرف الناس كذلك، قال ابن عباس
في هذه الآية: (اليدان: اليدان)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلتا يديه يمين)، فهل يجوز لأحد أن يجعل اليدين ها هنا نعمة، أونعمتين، وقال: (لما خلقت بيدي) فنحن نقول كما قال الله تعالى وكما قال رسوله، ولا نتجاهل.
ولايحملنا ما نحن فيه من نفي التشبيه على أن ننكر ما وصف به نفسه، ولكنا لا نقول: كيف اليدان، وإن سئلنا نقتصر على جملة ما قال، ونمسك عما لم يقل " ا. هـ
سبحان الله " هما اليدان اللتان تعرف الناس "
وسبحانه أن تكون مثلهما أو تشابههما كما أن سمعه هو السمع الذي يعرفه الناس وسبحانه أن يكون مثله
وقال ابن قتيبة في حديث الصورة:
" والذي عندي والله تعالى أعلم أن الصورة ليست أعجب من اليدين والأصابع والعين وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن. ونحن نؤمن بالجميع ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد " ا. هـ
وقال ابن قتيبة:
¥