" وكيف يسوغ لأحد أن يقول أنه بكل مكان على الحلول مع قوله: (الرحمن على العرش استوى) أي استقر كما قال: " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك " أي استقررت ومع قوله تعالى: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وكيف يصعد إليه شيء هو معه أو يرفع إليه عمل وهو عنده وكيف تعرج الملائكة والروح إليه يوم القيامة وتعرج بمعنى تصعد يقال: عرج إلى السماء إذا صعد والله عز وجل ذو المعارج والمعارج الدرج فما هذه الدرج وإلى من تؤدي الأعمال الملائكة إذا كان بالمحل الأعلى مثله بالمحل الأدنى ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه لعلموا أن الله تعالى هو العلي وهو الأعلى وهو بالمكان الرفيع وأن القلوب عند الذكر تسمو نحوه والأيدي ترفع بالدعاء إليه ومن العلو يرجى الفرج ويتوقع النصر وينزل الرزق وهنالك الكرسي والعرش والحجب والملائكة. يقول الله تبارك وتعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون " وقال في الشهداء: " أحياء عند ربهم يرزقون " وقيل لهم شهداء لأنهم يشهدون ملكوت الله تعالى واحدهم شهيد كما يقال عليم وعلماء وكفيل وكفلاء وقال تعالى: " لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا " أي لو أردنا أن نتخذ امرأة وولداً لاتخذنا ذلك عندنا لا عندكم لأن زوج الرجل وولده يكونان عنده وبحضرته لا عند غيره والأمم كلها عربيها وعجميها تقول إن الله تعالى في السماء ما تركت على فطرها ولم تنقل عن ذلك بالتعليم. وفي الحديث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة أعجمية للعتق فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله تعالى فقالت: في السماء قال: فمن أنا قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: هي مؤمنة وأمره بعتقها " ا. هـ
هذا الكلام ينضح بالإثبات ولا يحتاج إلى إيضاح
ـ الإمام ابن الأعرابي أحمد بن زياد
قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات:
" أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أَخْبَرَنَا أبو عمر، محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلبة أو ثعلب في كتاب ياقوتة السراط الذي يروي أكثره عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قوله عز وجل: {لقد من الله}
{أي تفضل الله} {على المؤمنين} المصدقين، والمنان المتفضل، والحنان الرحيم، وقال في قوله تعالى: {وحنانا من لدنا} أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال:
الحنان: الرحمة، والحنان: الرق، والحنان: البركة، والحنان: الهيبة " ا. هـ
وهو في " الياقوتة " لغلام ثعلب عند هذه الآية:
" (وحنانا من لدنا)! أخبرنا أبو عمر - قال: أنا ثعلب، عن ابن الأعرابي، عن المفضل - قال: الحنان: الرحمة "
ففسر الحنان الذي هو صفة لله بنص رواية البيهقي بأنه والرحمة بمعنى واحد وهذا يمتنع حمله على التفويض.
وكلامه في إثبات المعاني ظاهر
وعن داود بن علي قال:
" كنا عند ابن الاعرابي فأتاه رجل فقال له:
ما معنى قول الله عز و جل: (الرحمن على العرش استوى)
فقال [ابن الأعرابي]: هو على عرشه كما أخبر عز و جل
فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه استولى
قال: اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاد، فإذا غلب أحدهما قيل استولى أما سمعت النابغة ... ألا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد ...
أخرجه الخطيب في "تاريخه" واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" ورواه أبو الحسن بن مهدي الطبري في كتابه مشكل الآيات كما في بيان تلبيس الجهمية، ونقله الذهبي في العلو عن كتاب ابن عرفة وعزاه ابن حجر في الفتح للهروي في "الفاروق" وسنده صحيح
فهنا سُئل ابن الأعرابي عن معنى هذه الصفة الخبرية فأجاب بأن معناها هو المعنى الظاهر: " هو على عرشه كما أخبر عز و جل "
ولا أدل على أن كلامه مرادٌ به المعنى من كونه وقع سؤالا عن معنى:
" ما معنى قول الله عز و جل: (الرحمن على العرش استوى) "
ومن كون السائل نسب هذا لابن الأعرابي وأنه أراد معنى ما ذكر بمنطوقٍ صريح:
" يا أبا عبد الله ليس هذا معناه إنما معناه استولى "
فما ذكره ابن الأعرابي هو معنى وليس مجرد لفظ مفوض
ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ سيبويه:
¥