" وقال الليث: الحَنَان: الرحمة، والفعل التحنُّن. قال: والله الحَنَّان المنَّان الرحيم بعباده ومنه قوله تعالى: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا) (مريَم: 13) أي رحمة من لدنا.
قلت: والحَنَّان من أسماء الله تعالى، جاء على فعّال بتشديد النون صحيح. وكان بعض مشيايخنا أنكر التشديد فيه؛ لأنه ذهب به إلى الحنين، فاستوحش أن يكون الحنين من صفات الله تعالى، وإنما معنى الحنّان: الرحيم من الحَنَان وهو الرحمة ...
وقال أبو إسحاق في قوله: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ) أي وآتيناه حناناً. قال: والحَنَان: العطف والرحمة. وأنشد:
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا
أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف
أي أَمْرُنا حنان أي عطف ورحمة.
وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده:
ويمنحها بنو شَمَجاى بن جَرْم
مَعِيزهم حنانك ذا الحنان
يقول رحمتك يا رحمان فأغنني عنهم
وقال الفراء في قوله تعالى: و) وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا (الرحمة، أي وفعلنا ذلك رحمة لأبويك.
قلت: وقولهم: حنانيك معناه: تحنّن عليّ مرة بعد أخرى، وحناناً بعد حنان، وأذكِّرك حناناً بعد حنان. ويقال: حَنّ عليه أي عطف عليه، وحنّ إليه أي نزع إليه.
وقال أبو إسحاق: الحَنّان في صفة الله: ذو الرحمة والتعطّف " ا. هـ
لا حاجة للتعليق فالمعاني المثبتة صريحة (التحنن والعطف والتعطف)
وقال الأزهري أيضا في تهذيبه:
" وفي حديث أبي رَزِين العُقَيليّ أنه قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟
قال: في عَمَاء، تحته هَوَاء وفوقه هواء.
قال أبو عبيد: العَمَاء في كلام العرب: السحاب، قاله الأصمعي وغيره وهو محدود. وقال الحارث بن حِلِّزةَ:
وكأنَّ المنون تَردْى بنا أصْ
حَمَ عُصْم ينجاب عنه العماءُ
يقول: هو في ارتفاعه قد بلغ السحاب، فالسحاب ينجاب عنه أي ينكشف. قال أبو عبيد: وإنما تأوّلنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، ولا ندري كيف كان ذاك العَمَاء. قال: وأمَّا العمى في البصر فمقصور، وليس هو من هذا الحديث في شيء.
قلت: وقد بلغني عن أبي الهيثم وَلم يعزه لي إليه ثقة أنه قال في تفسير هذا الحديث. ولفظه: إنه كان في عمى مقصور. قال وكلّ أمر لا تدركه القلوب بالعقول فهو عَمًى. قال: والمعنى: أنه كان حيث لا يُدركه عقول بني آدم، ولا يَبلغ كنههَ وصف.
قلت أنا: والقول عندي ما قاله أبو عُبيد أنه العماء ممدود، وهو السحاب ولا يُدرى كيف ذلك العَمَاء بصفة تحصُره ولا نعتٍ يَحدّه. ويُقَوِّي هذا القول قول الله جلّ وعزّ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) (البَقَرَة: 210) فالغمام معروف في كلام العرب، إلاّ أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله جلّ وعزّ يوم القيامة في ظُلَل منه فنحن نؤمن به، ولا نكيِّف صفته. وكذلك سائر صفات الله جلّ وعزّ " ا. هـ
فانظر سبحان الله إلى هذا الإثبات للمعنى والتفويض للكيف فهو قد أثبت أن الله سبحانه كان في سحاب قبل خلقه السماوات والأرضين
يريد على سحاب لا شيء فوقه ولا شيء تحته
كما أثبت أن الله يأتي في غمام حقيقي وهو الغمام المخلوق الذي نعرفه ولم يفوض إلا الكيف
وحسبك دليلا على إثباته للمعنى أنه نص على أن الخبرين (كونه في سحاب ويأتي في غمام) متقاربا المعنى وذلك عندما قوى خبر العماء (وهو قبل خلق السماوات) بخبر الغمام (وهو في اليوم الآخر)
وقال الأزهري في تهذيبه:
" قال الله تعالى: (فلمَّا آسفُونَا انتَقمْنَا منهم) معنى آسفونا: أغضَبونا، وكذلك قوله تعالى: (إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً) والأسيف والأسِفُ: الغضبان، وقال الأعشى:
أرى رَجُلاً منهمْ أسِيفاً كأَنما ... يَضُمُّ إلى كشَحْيَهْ كَفّا مُخَضّبَا
يقول: كأن يده قُطعت فاختضبت بدمها فيغضب لذلك " ا. هـ
فهل قوله: " معنى آسفونا ... " يراد به التفويض؟!!!!
وقال في كتاب الزاهر له بعد تعرضه لآية الإسراء:
(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) فلخص تفسيرها ثم تعرض للباطنية ثم قال:
¥