تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:115)، وأما الحجة عليهم من القرآن: فإن الله جل وعز قال في سورة النساء: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً) (النساء:164) وقال عز وجل في سورة الأعراف: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) (الأعراف:143)، وقال عز وجل: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي) (الأعراف:144)
وقال في نهاية الكتاب: "وبهذا وبجميع ما رسمته في كتابنا هذا وهو كتاب الشريعة ثلاثة وعشرون جزءا ندين الله عز وجل، وننصح إخواننا من أهل السنة والجماعة، من أهل القرآن وأهل الحديث وأهل الفقه وجميع المستورين في ذلك؛ فمن قبل فحظه من الخير إن شاء الله، ومن رغب عنه أو عن شيء منه فنعوذ بالله منه، وأقول له كما قال نبي من أنبياء الله عز وجل لقومه لما نصحهم فقال: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44).
8. علم الكلام:
يتبين من الاسم أن هذا المصطلح ليس على منهج السلف، فلماذا سموه بعلم الكلام؟، لسببين:
السبب الأول: نسبة إلى ما اشتهر من الجدل حول مسألة كلام الله.
السبب الثاني: لأنهم أخذوا كلام اليونان وترجموه إلى اللغة العربية، ثم أخذوا هذه الأصول العقلية وبدأوا ينظرون بها إلى كتاب الله، كما حدث مع الجهم بن صفوان والجعد بن درهم وواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد.
فلما ترجموا هذه الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية، فتنت المعتزلة وأخذوها كأصول، ثم ظهرت الأصول الخمسة وبدأوا يذكرون الكلام في نظام سفسطة لا تؤدي إلى شئ، ولذلك وقف لهم أهل السنة وقفة شديدة.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "وقد تنوعت أحوال المتكلمين وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك وببعضهم إلى الإلحاد، ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام عجزا ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا ثم يرد الصحيح عليلا، فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه، حتى قال الشافعي رحمه الله: لأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في الكلام ... وقال: حكمي في علماء الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام، وقال أحمد بن حنبل: لا يفلح صاحب كلام أبدا، علماء الكلام زنادقة"
ولأحمد بن حنبل رحمه الله تعالى كتاباً اسمه "الرد على الزنادقة والجهمية"، ويقصد بالزنادقة علماء الكلام، فكانوا يسمونهم زنادقة على اعتبار أنهم كانوا يتكلمون كلاماً يؤدي إلى هدم السنة، كما ابتدعوا في التوحيد معنىً غير المعنى المعروف، وقد حذر أتباع السلف الصالح من علم الكلام وألفوا كتباً في ذمه وتقبيحه، ومن ذلك:
• كتاب (تحريم النظر في كتب الكلام) لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة.
ولذلك قالوا: "من أخذ العلم بالكلام تزندق، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس"، فقد كان قديماً يأتي بعض الناس بماء الذهب، ويخدعون عامة الناس بطلاء المعدن بماء الذهب ويبيعونه على أنه ذهب، وعندما يُكشف أمرهم، يُذهب بهم إلى السجن، فيُفلسون، فهذا هو المقصود بالكيمياء.
وفي المقابل تجد من كَتب ليحذر من صعوبة علم الكلام وأنه للخواص، كما فعل أبو حامد الغزالي في كتابه: (إلجام العوام عن علم الكلام)
وقد ألفت كتب كثيرة من قبل المتكلمين في هذا العلم معتبرين إياه علم التوحيد الأمثل، فمن ذلك:
• كتاب (نهاية الإقدام في علم الكلام) لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت:548).
• كتاب (الداعي إلى الإسلام في أصول علم الكلام)، لأبي البركات بن محمد الدفع (ت:577)
• كتاب (مطية النقل وعطية العقل في علم الكلام) لمحمد بن إبراهيم الصوفي (ت:622).
• كتاب (غاية المرام في علم الكلام) لسيف الدين أبي الحسن الآمدي (631).
• كتاب (زبدة الكلام في علم الكلام) لصفي الدين الهندي (ت:715).
• كتاب (المواقف في علم الكلام) للعلامة عضد الدين الإيجي (ت:756)
• كتاب (علم الكرام في علم الكلام) للشيخ زين الدين المالطي (ت:788).
¥