تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نحن نقول ذلك، لأن هناك من فسَّر "لا إله إلا الله" بمعانٍ أخرى، فالمتكلمون لما فسروا "لا إله إلا الله" فسروها بمعنى الخالقية وقالوا: "لا خالق إلا الله"، فيقولون في كتبهم: الكلام على مباحث الألوهية، وإذا نظرت إلى الألوهية التي يتكلمون عنها لا تجدهم يتكلمون عن توحيد العبادة، وإنما يتكلمون عن إثبات وجود الخالق، وأن الخالق يمتنع أن يكون إلهين، وأن هناك خالقاً واحداً للكون، وكيفية إثبات سبع صفات وتعطيل الباقي، وأن التوحيد معناه نفي الصفات لأن إثبات الصفات تشبيه ........... إلى آخره، فهذه هي مباحث الألوهية، فهل هذا هو معنى الألوهية؟

نقول: لا، توحيد الألوهية معناه: لا معبود بحق إلا الله، وأما إقرار الناس بوجود خالق للكون أمر فطري لا يحتاج إلى دليل، ولذلك روى البخاري من حديث أبي سفيان 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - لما سأله هرقل ملك الروم عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.

وأما إثبات الخالقية لله تعالى فهو أمر فطري في النفوس، حتى عند المشركين، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (الزمر:38) فكانوا يؤمنون بأن الله هو الخالق المدبر، وكانوا يتخذون الآلهة الأخرى وسائط وشفعاء، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر:3)، وأما ساعة الشدة فلا يلجأون إلا إلى الله، ولذلك لما دخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مكة أمَّن الناس جميعاً إلا أربعة نفر وامرأتين، وكان منهم عكرمة بن أبي جهل، فهرب عكرمة وركب البحر، فأصابت السفينة عاصفة شديدة، فقال أصحاب السفينة لركابها: "أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا "، أي توجهوا إلى ربكم وحده ولا تشركوا به، فلما سمع عكرمة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - هذا الكلام قال: "والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص، لا ينجني في البر غيره " ثم قال: "اللهم إن لك عليَّ عهداً، إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أن آتي محمداً فلأجدنه عفواً كريماً"، وبالفعل نجاه الله تعالى، وجاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأسلم، وأصبح أحد المجاهدين الذين فتحوا الفتوحات.

فكانوا يشركون بالله وقت الرخاء، ووقت الشدة يوحدون، ولذلك فإن من وحَّد الله في العبادة أثبت أنه الخالق، لكن من أثبت أن الله هو الخالق يمكن ألا يوحد الله في العبادة، فتجد من يؤمن بأن الله هو الخالق الرازق ولكن إذا قيل له: قم إلى الصلاة، يأبى، فهو عنده توحيد ربوبية، وليس عنده توحيد ألوهية ولا توحيد عبادة.

فالمفروض أن تستجيب الأمة لتوحيد العبادة، وليس أن يُدرَّس للطلاب توحيد الألوهية على أن الله تعالى هو الخالق، فما من أحد إلا ويعلم أن الله هو الخالق، قال تعالى: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (إبراهيم:10)، وقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (العنكبوت:61)، حتى فرعون قال له موسى عليه السلام: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (الإسراء:102)، وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل: 14)، فالناس تعرف بقلوبها أن هناك خالقاً للكون، فإذا قلت: "لا إله إلا الله" بمعنى أنه لا خالق إلا الله، فليس هذا هو المعنى السلفي.

فالسلف يقولون بأن "لا إله إلا الله " معناها: لا معبود بحق إلا الله، والخلف يقولون بأن معناها: لا خالق إلا الله.

معنى "لا إله إلا الله" عند الصوفية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير