وأما الصوفية فيقولون بأن معنى "لا إله إلا الله": لا موجود إلا الله، وهؤلاء هم غلاة الصوفية كابن عربي، وأما عوام الصوفية فتراهم يأخذون من هنا ومن هناك، وأما أوائل الصوفية فكانوا في العقيدة وفي باب الصفات على عقيدة الإمام أحمد بن حنبل، حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يدافع عنهم.
الإمام القشيري (صاحب الرسالة القشيرية) حاول أن ينسب أوائل الصوفية إلى المذهب الأشعري، وهؤلاء وقفوا مع الإمام أحمد ضد المعتزلة، وكتبوا كلاماً رائعاً في نصرة المذهب السلفي، فألف ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاب "الاستقامة" في مجلدين ليرد على القشيري، ويبين أن المشايخ (أي أوائل الصوفية، فقد كانوا يسمون بالمشايخ) عقيدتهم عقيدة سلفية، ونصرهم نصراً مؤزراً، فصحيح أنه رحمه الله تعالى يُخالف الصوفية وحدثت إشكالات كثيرة بينه وبينهم ومناظرات، لكن لم يمنعه ذلك أن يقول كلمة الحق في هؤلاء.
فأبو طالب المكي كان صوفياً، وسهل بن عبد الله التستري كان صوفياً، ونحن نذكر كلاماً لهم.
وكذلك أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي له كتاب في العقيدة رائع، وإن كان له ابتداعات في باب العبادات، فنحن نقول: الحق يؤخذ والباطل يُرد، وهذا هو منهج الوسطية، فكان الصوفية الأوائل على منهج السلف الصالح.
فغلاة الصوفية يقولون: لا موجود إلا الله، ما معنى هذا؟
يقولون بأن العالم الذي نعيش فيه هو الله، ويضربون مثالاً لذلك، وهو مَثَل المرآة، فالشخص إذا وقف أمام المرآة يعرف نفسه أكثر، ويرى أوصافاً في نفسه لم يكن يراها إلا من خلال المرآة، فغلاة الصوفية يقولون: هذه المخلوقات هي المرآة، وربنا يرى نفسه ومتجلٍ في هذه الكثرة التي تظهر في المرآة، فإن أراد أن يرى نفسه جباراً منتقماً يظهر في صورة فرعون، وإن أراد أن يرى نفسه رحيماً يتجلى في صورة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وإن أراد أن يرى نفسه جميلاً يتجلى في صورة المرأة، فيقولون: المرأة هي أكمل تجلي لله، لأن فيها الجمال كله (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً).
فيقولون بأن الله هو السماء بما فيها من شمس وقمر ونجوم، وهو السحاب الذي نراه بين السماء والأرض عند الصفاء والغيوم لا فرق بين الأنداد والأضداد، ولا فرق بين الرب والعباد، فالعابد عندهم هو المعبود والذاكر هو المذكور، كما يقول ابن عربي: "ما في الوجود مثل، ما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة والشيء لا يضاد نفس"
فالله عندهم يظهر في صورة شخص منتقم، في صورة عالم، في صورة بوذي، في صورة صنم .......... ويقولون بأن هذه صور وتجليات يظهر فيها الحق.
ولذلك يقول ابن عربي:
لقد كنت قبل اليوم أُنكر صاحبي إذا لم يكن دينه إلى ديني دان
لقد صار قلبي اليوم قابلاً كل شرعةٍ فمرعىً لغزلان، ودير لرهبان
وبيت لأوثان، وكعبة طائفٍ وألواح توراة، ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنَّى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني
فصحح ابن عربي دين اليهود ودين النصارى ودين البوذيين ودين المجوس .......... ، ولذلك هذا الرجل يحبه أعداء الإسلام، ولذلك وقفوا بجانب المستشرقين لما طبعوا كتب الصوفية حتى يوزعونها مجاناً على العالم الإسلامي.
وكان يقول أيضا:
فإنا أعبدٌ حقا وإن الله مولانا وإنا عينه فاعلم إذا ما قلت إنسانا
أي أن الإنسان هو الله، وهو المعبود بحق،لأن الله تعالى تجلى فيه
فلا تحجب بإنسان فقد أعطاك برهانا فكن حقا وكن خلقا تكن بالله رحمانا
فكن حقاً: أي إلهاً، وكن خلقاً: أي الصورة التي تجلى فيها.
فهذا هدم للدين تحت مسمى " لا إله إلا الله".
معنى "لا إله إلا الله" عند الفلاسفة:
وأما الفلاسفة فيقولون بأن "لا إله إلا الله" معناها: لا علة إلا الله، فيقولون بأن الله تعالى هو العلة الأولى وليس بمعلول، فما معنى العلة والمعلول؟
¥