هذا في الأصل يُطلق على السبب والنتيجة، فالإنسان يضع البذرة في الأرض، وهذه البذرة تسمى سبباً، فتُخرج نبتة، وهذه النبتة يسمونها نتيجة سببها البذرة، فالبذرة علة أو سبب والنبتة معلول أو نتيجة، فالعلة تؤدي إلى معلول، أو السبب يؤدي إلى نتيجة، ثم إن النبتة نفسها تنقلب وتصبح علة لظهور الثمرة، فالثمرة نتيجة والنبتة سبب، ثم إن الثمرة أصبحت علة، وذلك لوجود البذرة بداخلها، فكل معلول قبله علة، وكل علة كانت معلولاً لعلة، فهذه كلها أسباب، ولذلك يقال: خذ بالأسباب، لأنها تؤدي إلى النتائج، لأنك لن تصل إلى النتيجة إلا إذا أخذت بالأسباب.
والله تعالى هو الذي خلق البذرة وهو الذي خلق النبتة، ولكن الله تعالى لن يخلق لك النبتة إلا إذا أخذت بالأسباب ووضعت البذرة التي خلقها الله تعالى، فخالق العلل والأسباب هو الله تعالى، لكن هل الله تعالى سبب أدى إلى نتيجة؟
لا، هو خالق السبب والنتيجة، وأما الفلاسفة فيريدون أن يجعلوا الله تعالى هو العلة الأولى كالبذرة التي أخرجت النبتة، فيقولون بأن الله تعالى هو العلة الأولى التي صدرت عنها العلل كلها.
نقول لهم: الله تعالى ليس بعلة، وإنما هو خلق الأشياء وخلق الأسباب من فوق عرشه، ولا يخضع لنظام التولد الذي تسير عليه الحياة، فالله تعالى قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)، أي أنه لا يخضع للأسباب والعلل، فليس بمولود لأنه ليس له والد، فالوالد علة والمولود معلول، فالأب سبب في وجود الولد، فلا يوجد ولد أتى بلا أب، ولكن لو شاء الله أوجده بلا أب، حتى يبين لنا سبحانه أنه ليس بعلة من العلل كما يقول الفلاسفة، فالله سبحانه وتعالى هو خالق العلل.
ومن ثم، فإن الله تعالى صانع كل شيء بقدرته، وعلة كل شيء صُنْعُه، ولا علة لصنعه، وهو سبحانه وتعالى واحد أحد، وتر صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، وليس الإله علة وجود الأشياء وإنما العلة صفاته الفاعلة.
معنى "علة كل شئ صنعه": أي أنه بصناعته للأشياء صنع العلل، ولكن هو نفسه ليس بعلة.
إذاً، ليس كل من يقول: "لا إله إلا الله " معناها: لا معبود بحق إلا الله، فالسلف فقط هم الذين عبروا عن منهج أهل السنة والجماعة الذي ورد في كتاب الله وفي سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأن التوحيد معناه توحيد العبادة.
• تصنيف التوحيد إلى نوعين والمصطلحات التي أطلقت على كل نوع.
التوحيد يُصنَّف إلى نوعين أو ثلاثة من باب بيان ما في الكتاب والسنة.
التوحيد نوعان: النوع الأول له عدة مصطلحات أطلقت في الشرع، فالتوحيد الذي أطلق في باب الأمر له عدة مصطلحات وهي:
1. توحيد العبادة
2. توحيد الألوهية
3. توحيد الغاية
4. توحيد القصد والطلب
5. توحيد الإرادة
6. توحيد الشرع والقدر
وهذه المصطلحات جمعتها من تراث أهل العلم الذين تكلموا في معتقد السلف الصالح على مدار التاريخ، فيستخدمون هذه المصطلحات للتعبير عن النوع الأول من أنواع التوحيد والذي هو توحيد العبادة.
ما سبب هذه التسميات؟
- سُمي بتوحيد الغاية على اعتبار أن هذا هو الغاية من خلق الإنسان، قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، ولذلك سمي توحيد العبادة.
- وسمي توحيد القصد والطلب لأنه يتعلق بنية الإنسان في الحياة، فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، إذاً، هو متعلق بقصدك وطلبك في الحياة أو ما يُطلب منك شرعاً، هل ستنفذه أم لا.
لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا جاء للناس وقال لهم:صدقوني في خبر الله، فصدقوه ولم يكلفهم بأوامر الله وتشريعاته وتركهم على ما هم عليه يعبدون الأوثان والأصنام، هل كانت ستتغير مكة وينتشر الإسلام؟!!!
إذاً، ليس الإيمان مجرد تصديق القلب وقول اللسان، بل لا بد من عمل الجوارح والأركان، لأن بعض الناس يقولون: المطلوب أن يصدِّق العبد بقلبه ويقول: "لا إله إلا الله".
¥