نقول: إذا كان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طلب من الناس ذلك، وقالوا كلهم "لا إله إلا الله"، ولم يستجب أحد لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالعمل، هل كان سيهاجر أحد إلى المدينة؟، وهل كان أحد سيدخل في الإسلام ويقاتل في سبيل الله ويفتح الدنيا؟؟!! بل إن مكة كانت ستظل على ما هي عليه، فليس هذا دين التوحيد، إنما التوحيد في الاستجابة والعبادة والعمل، فالإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح والأركان.
- وسُمِّي أيضاً بتوحيد الألوهية لأنه معنى قول العبد: لا إله إلا الله، فقد تقدم أن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "توحيد العبادة هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه وهذا هو الإسلام، فإن الإسلام يتضمن أصلين: أحدهما: الاستسلام لله، والثاني: أن يكون ذلك له سالما، فلا يشركه أحد في الإسلام له وهذا هو الاستسلام لله دون ما سوا".
- وسمِّي أيضاً توحيد الإرادة لأن من وحَّد الله في العبادة تطابقت إرادته مع إرادة الله الشرعية مع إرادة الله الكونية، وإرادة الله الشرعية هي الأوامر والأحكام التكليفية، فإرادة العبد انطبقت مع إرادة الله الشرعية، وتنطبق تلقائياً مع إرادة الله الكونية والتي هي مشيئته سبحانه وتعالى.
فيحدث هنا توافق بين الإرادات، إرادة العبد مع الإرادة الشرعية مع الإرادة الكونية، فلما تتوافق الإرادات يظهر مصطلح التوفيق، فيوفق الله عبده لطاعته.
جار رجل إلى سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى (ت:293) وقال له: ما تقول فيمن قال: "أنا كالباب لا أتحرك إلا أن يحركني "؟، أي أنه يسير وفق مراد الله، لا يخالف إرادة الله سبحانه وتعالى
قال سهل رحمه الله تعالى: "لا يقول هذا إلا صديق أو زنديق"
فالصدِّيق هو الذي وافقت إرادته إرادة الله الشرعية، وتوافق مع إرادة الله الكونية، لأن كل ما قدَّره الله يقع، فهو لا يتحرك إلا على مراد الله الشرعي، وهو ما ذكره الله تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرب إليَّ عبدي بشئ أحب إليَّ مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به" فيوفقه الله في سمعه فلا يسمع إلا ما يُرضي الله، وهذه هي قمة الطاعة والإيمان.
وأما الزنديق فإنه يخالف شرع الله، ويقول: أنا أفعل ما شاءه الله، فيسرق ويقتل وينهب ويقول: هذه مشيئة ربنا، كالسارق الذي جاء إلى عمر بن الخطاب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - وأراد عمر أن يقطع يده، فقال: سرقت بمشيئة الله، قال عمر: وأنا أقطع يدك بمشيئة الله وإرادته.
وقد ظهر هذا المذهب الجبري في نهاية عصر الصحابة رضي الله عنهم،وقد كان ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يدعو الناس إلى التوحيد، وحدثت واقعة أن رجلاً من أصحاب هذا المذهب دخل على أهله فجأة فوجد رجلاً مع امرأته، فهمَّ أن يأخذ بالسيف ليقتله، فقالت له امرأته: أتركت التوحيد وذهبت خلف مذهب ابن عباس؟ ألا تعلم أن كل شئ بقضاء وقدر؟، فقال: تبت إلى الله.
أهذا هو التوحيد؟؟!!
إذاً، سُمي هذا التوحيد بتوحيد الإرادة لتوافق إرادة العبد مع إرادة الله الشرعية، وأما إرادة الله الكونية فستقع لا محالة، سواء اختار العبد الطاعة أو اختار المعصية.
- وسمي هذا التوحيد بتوحيد الشرع والقدر لأن العبد لا يَسلم إلا إذا آمن بقدر الله وعمل بشرع الله، فيؤمن بأن كل شئ سيقع وفق ما قدَّر رب العزة والجلال، ولا يجوز أن يقول: سأعمل بالشرع ولا أؤمن بالقدر، فمن قال سآخذ بالأسباب، ولكن ليس هناك قدر، فهذا يتبع مذهب المعتزلة القدرية، وأما من يقول: أنا أؤمن بالقدر ولا أعمل بالشرع فهو على مذهب الجبرية، وأما مذهب السلف فمذهب وسطية، أن تؤمن بقدر الله وتعمل بشرع الله،فتأخذ بالأسباب وتتوكل على الله، فالتوكل على الله بدايته في الاعتماد على الله تعالى الذي بيده المقادير، ثم الأخذ بالأسباب، ثم الرضا بالنتائج.
وأما النوع الثاني من التوحيد الذي يتعلق بباب الخبر له أيضاً عدة مصطلحات أطلقت في الشرع وهي:
1. توحيد الوسيلة.
2. توحيد الربوبية والأسماء والصفات.
¥