(3) القسم الثالث و هو الشرك الخفي: يذكره بعض أهل العلم و هو الشرك الخفي فيجعلونه قسماً ثالثاً و يجعلون الشرك ثلاثة أقسام (1) شرك أكبر (2) شرك أصغر (3) شرك خفي. مع أن ابن القيم رحمه الله تعالى جعل الشرك الأصغر يسمى بالشرك الخفي، فجعل الشرك الأصغر هو الخفي.
والحقيقة: أن هذا القول تؤيده الأدلة لأن النبي صلى الله عليه و سلم كما في الحديث الذي بين أيدينا قال: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي، فسئل عنه؟ قال: الرياء) فيدل على أن الرياء شرك أصغر و شرك خفي و أن المعنى واحد، لكن الشرك سمي خفياً باعتبار أن الشرك الأكبر أظهر منه، و سمي أصغراً باعتبار أن الشرك الذي هو صرف العبادة لغير الله أكبر منه. أم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فيرى أن الشرك الخفي يحصل في الشرك الأكبر و الأصغر. وكلامه رائع جميل: فإن الشرك الأكبر منه ما هو خفي و منه ما هو ظاهر، الشرك الأكبر قد يكون ظاهراً مثل صرف العبادة لغير الله مثل صرف الطواف و السجود لغير الله هذا ظاهر، و قد يكون الشرك الأكبر خفي مثل شرك المنافقين، فالمنافقون مشركون: لكن شركهم خفي. وقد يكون الشرك الأصغر طارئاً مثل: الحلف بغير الله, فالحلف بغير الله شرك أصغر ظاهر، و قد يكون الشرك الأصغر خفي مثل الرياء. هذا الكلام مجمل و إلا أن تفصيله يحتاج إلى تدقيق و وقفات، فالرياء قد يكون شرك أكبر و حلف بغير الله قد يكون شرك أكبر و كل هذا من حيث الجملة.
الفائدةُ الخامسةَ عشرةَ:
الشرك الأكبر له أنواع:
(1) النوع الأول شرك الدعاء: أي: صرف الدعاء لغير الله مثل من ندعو غير الله.
(2) النوع الثاني شرك القصد و الإرادة و النية: و ذلك بأن يقصد غير الله تعالى وقلنا أن الرياء يكون شرك أصغر و قد يكون شرك أكبر، فيكون شركاً أكبرَ إذا كان الرياء في أصل الإيمان، كإنسان ما أسلم و ما دخل في الإسلام إلا رياءًا، و قد يكون أيضاً شركاً أكبر إذا كان في جميع الأعمال الصالحة التي يفعلها الإنسان يفعلها وهو مرائي. و قد يكون أصغر إذا وقع في العمل المعين أو في بعض الأعمال فإذا وقع فيها الرياء كان هذا الرياء شرك أصغر.
(3) النوع الثالث شرك الطاعة: وعقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب باباً في هذا الكتاب، فقال: باب من أطاع الأمراء و العلماء في معصية الله فقد اتخذهم أرباباً من دون الله.
(4) النوع الرابع شرك المحبة: كما قال تعالى: (و من الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حباً لله .. الآية). هذه الأنواع جمعها الناظم في بيتين من الشعر يقول الناظم و منه – يعني الشرك الأكبر-:
و منه شرك دعوةٍ و قصدِ كذاك طاعةٌ لظلمِ الْعبد
و مثله الإفراط في المحبة فأربعٌ ترديك للمذمة
الفائدةُ السَّادسةَ عشرةَ:
قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء). اختار شيخ الإسلام ابن تيميه أن هذا الشرك يدخل فيه الشرك الأكبر و الأصغر , أما ابن القيم فكما قدمنا في النونية يقول: هذه الآية خاصة بالشرك الأكبر، الذي هو صرف العبادة لغير الله، أما الشرك الأصغر فعنده أنه من جملة الذنوب التي يغفرها الله تعالى أن شاء لعبده.
الفائدةُ السَّابعة عشرةَ:
قوله تعالى: (و اجنبني و بنيَّ أن نعبد الأصنام) الأصنام: كل ما عبد من دون الله مما كان له صورة، فإذا صور شخص إنساناً أو طيراً -جعله على صورة – و عبده من دون الله فهذا صنم. أما الوثن: فهذا ما عبد من دون الله و ليس على صور. و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم لعدي بن حاتم الطائي لما رآه معلقاً صليباً – كان يعلق صليباً لأنه كان نصراني- قال: (ألق عنك هذا الوثن) فسمى الصليب وثناً لأنه يعظم و يعبد من دون الله و ليس على صورة.
الفائدةُ الثامنة عشرة:
* حديث لما سئل عن الشرك الأصغر؟ قال: الرياء (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، هذا الحديث حديث حسن، حسنه الحافظ بن حجر و قال الهيثمي عنه رجاله رجال الصحيح و صححه الألباني رحمه الله.
والرياء هو: أن يفعل العبد عملاً يقصد منه أن يراه الناس و هذا هو الرياء. أما التسميع: فهو أن يعمل عملاً يقصد أن يسمع به الناس، فيسمى الأول رياءً و يسمى الثاني سمعة.
الفائدةُ التاسعة عشرة:
الفرق بين الشرك الأكبر و الأصغر:
¥