ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[05 - 11 - 10, 01:40 م]ـ
* فَائِدَةٌ 42: للشَّفاعةِ شرطَانِ:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: إذْنُ الله بالشَّفاعةِ؛ وهذا الإذْنُ نوعانِ:
أَحَدُهُمَا: الإذْنُ القَدرِيُّ بابْتِداءِ الشَّفاعةِ؛ إذا أذِنَ اللهُ بذلك لِمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ثمَّ يَتْبَعهُ الشُّفعاءُ.
ثَانِيهِمَا: الإذْنُ الشَّرعيُّ، بصَلاحيَّةِ الشَّافعِ أن يَشْفَع، وأهليَّةِ المشفُوعِ أن يُشفَع له.
الشَّرْطُ الثَّانِي: الرِّضَا عن الشَّافعِ والمشفُوعِ له.
* وقد قصَر بعضُ أهل العلم الرضَا على المشفُوعِ له؛ والذي يدلُّ عليه القرآنُ أنَّ الرضَا شرطٌ في الشَّافعِ والمشفُوعِ له؛ كما قال تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)؛ وحُذِفَ معمول (يَرْضَى) لِيَعُمَّ، فدلَّ هذا على اندراج الشَّافعِ والمَشْفُوعِ له في الرضَا.
فلابُدَّ مِن الرِّضَا عن الشَّافعِ والمَشْفُوعِ له؛ وهذا صريحُ عبارةِ جماعةٍ من الْمُحقِّقينَ، كأَبِي الْعَبَّاسِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.
* فَائِدَةٌ 43: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أنَّ الخوْفَ عبادةٌ من وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الأَمْرُ بهِ في قولِه: (وَخَافُونِ)، وكلُّ ما أمرَ الله بهِ فهو عبادةٌ.
الثَّانِي: تعليقُ وصْفِ الإيمَانِ علَى ذلك؛ في قولِه: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
* فَائِدَةٌ 44: أجْمَعُ ما يُقال في قِسْمةِ الخوفِ؛ بأن يُقال: إنَّ الخوفَ يَنْقَسِم إلى قِسْمَين كبِيرَينِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: خَوْفُ العبادَةِ، وهو الذِي ينْطَوِي على تألُّهِ القلْبِ؛ وهذا قسمَانِ:
1 – خَوْفُ الخالقِ، وهو توحِيدٌ.
2 – خوفُ الْمخْلُوقِ، وهو تندِيدٌ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: خوفُ العَادةِ، وهو الذِي لا ينطَوِي على معنَى تألُّهِ القلْبِ، بل له أسبَابٌ توجِبُه؛ فالأصلُ فيه الجوازُ؛ إلَّا في حاليْنِ:
1 – أن يكون السَّببُ الْمُخوِّفُ ضَعيفًا؛ كمَن يخافُ مِن هوامِّ الأرض الضَّعيفةِ كالخُنفُساء مثلًا، فهذا جُبنٌ، وحُكمُهُ: الكَراهةُ، إلَّا أن يَتعلَّق بحقِّ الله مع القُدرة عليه فإنَّه يكونُ محرَّمًا.
2 – أن يكُون السَّببُ مُتوهَّمًا لا أصْلَ له؛ كمَن يخافُ من الظَّلامِ، لا لأجْلِ ما قد يكونُ فيه، بل للظَّلام ذاتِه، وهذا يكونُ شِركًا أصغرَ؛ لأنه جعلَ ما ليس بِسَببٍ سَببًا؛ فليسَ الظَّلامُ في نفسِه مُوجبًا للخَوفِ، لكن إن خافَ مِن شيءٍ يَقعُ في أثناء الظَّلام فهذا لا يكُون قادِحًا في توحِيدهِ.
* ويُشترَط في هذا النَّوع: انْتِفاءُ معرفَةِ سببِ التَّخويفِ؛ فإنَّ الإنسانَ قد يخاف من شيء لا يُخوِّف في الأصل لِعَدم معرفتِه به، فإذا لم تُوجد المعرِفةُ لم يكُن هذا مِن جُملةِ الشِّرك الأصغَر.
* فَائِدَةٌ 45: خَوْفُ السِّرِّ الذِي ذكرَه بعضُ أئمَّةِ الدَّعوة النَّجْديةِ؛ كالشَّيْخِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ في تَيْسِيرِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، ثُمَّ تَبعَه جماعةٌ، لا يُريدُون به -كما فَهِمَه بعضُ أهل العَصْرِ واسْتنكرَه- بأنَّه هو الخوفُ الذِي يقع في الباطِنِ وفَهِمَ مِن (السِّرِّ) باطِنَ الإنسانِ، واعترضَ على ذلك بأنَّ الخوفَ أصْلًا محلُّه الباطنُ.
فإنَّ أئمةَ الدعوةِ لا يُريدُون هذا الْمَعْنَى، وإنَّما الْمُرادُ بالسِّرِّ: القُدرةُ على التأثيرِ؛ كما يعتقِدُه بعضُ أهلِ البدع والخرافةِ في معَظَّميهِم مِن أدعياءِ الأولياءِ، بأن يعتقِدُوا بأنَّ لهم قدرةً على التأثيرِ ولو بَعُدُوا؛ فمثلُ هذا يُقال فيه: خوف السِّرِّ.
* وهذا هو معنى السِّرِّ الذي يُذكَرُ في كلام أهل البدع؛ كما يُقال في دعائهم: (فُلانٌ قدَّس اللهُ سِرَّهُ)، فإن مرادَهم: عظَّم الله تأثيرَه في النَّفع والضُّرِّ.
* والْفُرقان بين دعاءِ أهل السنةِ وأهلِ البدعة في هذا الْمقَام؛ أنَّ أهلَ السنةِ يقولون في حقِّ الميِّتِ الْمُعظَّم: (قدَّس اللهُ رُوحَه) أي: نزَّهها وطَّهرها ورفعَ منزلَتَها؛ وأما أهلُ البدعِ: (فلان قدَّس اللهُ سِرَّهُ) ويُريدون به الْمَعْنَى الذِي تقدَّم.
ـ[زكرياء توناني]ــــــــ[05 - 11 - 10, 01:44 م]ـ
* فَائِدَةٌ 46: دلَّ قولُ اللهِ تعالى: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أنَّ التَّوكُّلَ عبادةٌ من وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: الأَمْرُ بهِ في قولِه: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا).
الثَّانِي: تعليقُ وصْفِ الإيمَانِ علَيْهِ؛ في قولِه: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
* فَائِدَةٌ 47: إذا اقتَرنَ الخوفُ بالعملِ فهو: رَهْبَةٌ؛ وإذا اقترن الخوفُ بالعِلمِ فهو: خَشْيةٌ، وإذا اقترنَ الخوفُ بالخضُوع والذلِّ فهو: [خُشُوعٌ]؛ فتجتَمِع في الخوفِ الذِي هو هرُوبُ القلْبِ إلى اللهِ ذُعرًا وفزَعًا، ثم يتزَايدُ بعضُها عن بعضٍ بشيْءٍ مِن الأوصافِ يتغيَّر به حَقيقةُ الشيءِ.
* فَائِدَةٌ 48: ذكر ابْنُ الْقَيِّمِ في مَدَارِجِ السَّالِكِينَ أنَّ إنابةَ الخلقِ إلى ربِّهم تَنقَسِم إلى نَوعَيْنِ:
1 – إِنَابَةٍ إِلَى رُبُوبِيَّتِهِ؛ بالإقرارِ به رَبًّا مُدبِّرا رازِقًا محْيِيًا مُمِيتًا، وهذا مما تجتمِعُ عليه كلمةُ النَّاس جميعًا.
2 – إِنَابَةٍ إِلَى أُلُوهِيَّتِهِ؛ وهذا هو حظُّ أهلِ الإيمَانِ، فهم الذينَ يُنِيبُون إلى ربِّهم عزَّ وجلَّ تَألِيهًا وتعظِيما وتذَلُّلا له سبحَانهُ وتعالَى.
* فَائِدَةٌ 49: مِن قواعِدِ العبَادةِ: أنَّ العبَادةَ إذا تَعلَّقت بالقَلْبِ عَظُمَتْ.
¥