[أهل اللغة لا يستشهدون بالحديث الشريف .. وهذا هو الصحيح]
ـ[سيبويه]ــــــــ[20 - 06 - 03, 06:40 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفصح من نطق بالضاد وسلم تسليماً كثيراً وبعد
فإن من مسائل الخلاف القديمة عند النحويين الاحتجاج بالحديث الشريف في المسائل النحوية هل يصح أم لا؟ وقد أسهب الكتاب والباحثين قديماً وحديثاً في جمع الأقوال وتفنيدها من الطرفين ولكني في هذه العجالة سأورد للأخ القارئ الكريم كلاماً نفيساً لأبي حيان في شرحه على التسهيل ونقله السيوطي في اقتراحه وكذلك البغدادي في خزانته.
يقول أبو حيان:
قد أكثر المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب. وما رأيت أحداً من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره. على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب ــ كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء وعلي بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين ــ لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على ذلك المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية. وإنما كان ذلك لأمرين.
1 – أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى، فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم لم تقل بتلك الألفاظ جميعها: نحو / ما روي من قوله " زوجتكها بما معك من القرآن " و " ملكتكها بما معك من القرآن " و " خذها بما معك من القرآن " وغير ذلك من الألفاظ الواردة , فتعلم يقيناً أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا يجزم بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظاً مرادفاً لهذه الألفاظ، فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه صلى الله عليه وسلم، إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع، وعدم ضبطه بالكتابة والاتكال على الحفظ. والضابط منهم من ضبط المعنى. وأما من ضبط اللفظ فبعيد جداً لاسيما في الأحاديث الطوال. وقد قال سفيان الثوري رضي الله عنه: " إن قلت لكم أني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني، إنما هو المعنى ". ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم يروون بالمعنى.
2 – أنه وقع اللحن كثيراً فيما روي من الحديث، لأن كثيراً من الرواة كانوا غير عرب بالطبع. ويتعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون، وقد وقع في كلامهم ورواياتهم غير الفصيح من لسان العرب. ونعلم قطعاً من غير شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب. فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها. وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم الله ذلك له من غير معلم. والمصنف قد أكثرمن الاستدلال بما ورد في الأثر متعقباً بزعمه على النحويين؛ وما أمعن النظر في ذلك، ولا صحب من له التمييز. وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة _ وكان ممن أخذ على بن مالك ـ قلت له: يا سيدي، هذا الحديث رواية الأعاجم، ووقع فيه من روايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم. فلم يجب بشيء قال أبو حيان: وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب، وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول،كالبخاري ومسلم، وأضرابهما؟ فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث " أهـ.
وأقول إن بعض أهل الحديث قد يستنكر هذا القول من أهل اللغة ذباً عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم أو عن النقلة العدول الأثبات وبعضهم فصل في ذلك وقال ما كان صحيحاً كالوارد في البخاري ومسلم فإنا نستشهد به وهكذا توسطاً بين الرأيين والأمر أوسع من ذلك فهذا مدخل خطير ومزلق عظيم على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك النقلة العدول فكيف يصح عنه صلى الله عليه وسلم كلام يخالف القواعد الكلية عند العرب وهو أفصهم إلا من نقل من ليس بعربي أصلاً. وهذا العكبري يقول " .... وأن بعض الرواة قد يخطيء فيها (يعني أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم) والرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بريئون من اللحن " أهـ. والمعلوم أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم هو وحي من الله سبحانه " إن هوإلا وحي يوحى " مثله مثل القرآن " أوتيت القرآن ومثله معه " فحاشا الوحي أن يجري عليه الخطأ، وما حصل من أخطاء فإنما هو بسبب النقلة وإن كانوا ثقات إلا أنهم وكما صرحوا بذلك ينقلون بالمعنى.
هذا ونعلم جميعا ما وقع في بعض أحاديث الرسول عليه السلام من الخلاف النحوي فإن رددناه فنعوذ بالله أن نكون ممن يردون الوحي الصحيح الصادق، وإن قبلناه اختلفنا في قائل الألفاظ أهو صلى الله عليه وسلم فنسلم ونسيِّر القاعدة النحوية على كلام أفصح العرب أو هو من كلام الراوي الذي قد يكون غير عربياً في الأصل؟
فنخرج من ذلك بعدم الاستشهاد أصلاً وأن ذلك لا يطعن في الحديث أو قائله بل على العكس من ذلك لو تلاعب المعربون بكلامه صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وذات الشمال
ولو قال قائل نستشهد بما ثبت لفظه فقط، فنقول ومن الذي يضمن لنا أن هذا اللفظ له صلى الله عليه وسلم.
وختاماً أحب أن أنبه أن صحة الحديث شيء وصحة اللفظ إليه صلى الله عليه وسلم شيء آخر. ولا يجوز الخلط بينهما.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
¥