[فائدة نحوية نفيسة من ابن رجب رحمه الله]
ـ[أبو سليمان البدراني]ــــــــ[25 - 01 - 05, 05:48 م]ـ
قال ابن رجب - رحمه الله -: " و قوله في الرواية الأخرى التي خرجها البخاري في هذا الباب: " إن أتقاكم و أعلمكم بالله أنا ": فيه الإتيان بالضمير المنفصل مع تأتي الإتيان بالضمير المتصل، و هو ممنوع عند أكثر النحاة، ألا للضرورة، كقول الشاعر:
ضمنت إياهم الأرض في دهر الدهارير
و أنما يجوز إختيارا إذا لم يتأتى الإتيان بالمتصل، مثل أن تبد بالضمير قبل عامله، نحو {إياك نعبد}، فإنه لا يبتدأ بضمير متصل، أو يقع بعد نحو: " إلا إياه ".
فأما قول الشاعر:
أن لا يجاورنا إلاك ديار
فشاذ
و أما قوله:
و أنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
فهو - عندهم - متأول على أن فيه معنى الإستثناء، كأنه قال: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا.
و لكن هذا الذي وقع في هذا الحديث يشهد لجوازه من غير ضرورة، و يكون حينئذ قوله: " إنما يدافع عن أحسابهم أنا " شاهد له، غير محتاج إلى تأويل، و الله أعلم ": فتح الباري: (1/ 84 - 85) طبعة طارق عوض الله.
ـ[آل حسين]ــــــــ[25 - 01 - 05, 06:50 م]ـ
السلام عليكم
فائدة طيبة منك ياأبى سليمان
وياليت يفرد موضوع فيه الفوائد النحوية من أهل الحديث والإختلاف بينهم وبين أهل اللغة
ـ[حارث همام]ــــــــ[25 - 01 - 05, 10:14 م]ـ
ماذكره ابن رجب هو الصحيح وإن لم أكن أظن أن أكثر النحويين على عدم الجواز إلاّ للضرورة.
ولعل أصل المسألة هو أن العرب عندهم الضمير المتصل أخف وآثر في أنفسهم من المنفصل.
وقد ذكر ذلك ابن جني وانتصر له في الخصائص، ولهذا كان الأصل عندهم استخدامهم له ما أمكن بدلاً من المتصل ولعله تأت الإشارة إلى سبب ذلك، غير أن هذا الأصل كغيره ينخرم أو تشذ عنه مواضع، وهي كثيرة بخلاف استعمالهم المتصل موضع المنفصل فإنه أقل، ومن مواطن استعمال المتصل محل المنفصل هذا الموطن.
فقد نص أهل اللغة على أن وضع المنفصل موضع المتصل في الكناية عن الاسم والخبر، لأَنهما منفصلان في الأَصل، لأَنهما مبتدأ وخبر، سائغ.
ثم إن من منع إنما منع لأمرين:
1 - الاستثقال.
2 - خشية الإلباس.
ومثلوا لذلك بقول القائل: "زيد ضربت زيداً" فوجه الإلباس لأنك لا تأمن أن يظن ظان أن زيداً غير زيد الأول، ثم ينتظر بعدها تمام الكلام بذكر العائد على زيد الأول كنحو أن تقول: "زيد ضربتُ زيداً في بيته"، فـ"في بيته" عائد على زيد الأول وهو مايتوقع السامع تمامه، أما إذا عبر بالضمير فيذهب ذلك الالتباس ولاينتظر السامع عائداً فتقول زيد ضربته وينتهي الكلام.
أما وجه الاستخفاف فبترك التكرار والاكتفاء عوضاً عنه بالضمير المتصل وكلما زاد عدد الحروف في ما يعود عليه الضمير بان وجه الاستثقال عند ذكره كاملاً.
والشاهد أن هذين الوجهين في المنع منتفيان هنا وفي نحوه من المواطن، ولهذا ساغ ذكرها لا لانخرام في الأصل الذي قرره أهل اللغة بل جرياً عليه عند من راعى علته. كما قالوا في استعمال المضمر محل المظهر والعكس إذا أمن الإلتباس وقد أنشد زياد بن منقذ:
لم ألق بعدهم حياً فأخْبُرهم * إلاّ يزيدهم حباً إلي هم
وقد كان له وجه لو قال: إلاّ يزيدونهم فلا ضرورة تمنعه
ومن أمثلته في كلام العرب قول أمية ولعل الفرزدق ضمنه:
بالوارث الباعث الأموات قد ضمنت * إياهم الأرض في دهر الدهارير
وقول حميد الأرقط:
إليك حتى بلغت إياكا
وقول ذو الإصبع العدواني:
كأنا يوم قرى * إنما نقتل إيانا
ـ[أبو سليمان البدراني]ــــــــ[26 - 01 - 05, 01:28 م]ـ
أشكر الأخ حارث على إفادته الجميلة
ـ[الحنبلي السلفي]ــــــــ[26 - 01 - 05, 05:16 م]ـ
وقد نقل الحافظابن حجر قول ابن رجب في الفتح ولكنه لم يسمه باسمه بل أشار إلى أنه قول بعض الشراح.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[26 - 01 - 05, 11:26 م]ـ
في ما اورده الحافظ رحمه الله نظر ... من جهة علم المعاني ...
اين يتأتى .. وضع المتصل ... فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟
مثلا: إني اتقاكم واعلمكم بالله ....
تختلف اعرابيا واسناديا ومعنويا ... عن قوله ان اتقاكم واعلمكم بالله انا ...
فالضمير فى الجملة الاولى .. مبتدأ ... وفى الثانية خبر ..
الضمير فى الاولى .. مسند اليه ... وفى الثانية مسند ..
ومعنويا ... يلمس العربي فرقا بين قولنا الرسول اعلم الناس .... وبين قولنا اعلم الناس ... الرسول.
ففي الثانية اختصاص ... إذ طوي فيها رد على من يزعم .. ان هناك غير الرسول اعلم بالله ....
ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم ... اثبات هذه الخصوصية .. فكأنه قال انا اعلم وليس انتم ....
وعلى كل حال فالاتيان بالمتصل هنا .. لا يساوي .. المنفصل ..
والله اعلم .....
ـ[حارث همام]ــــــــ[27 - 01 - 05, 08:28 م]ـ
الأخ الكريم أبوعبدالمعز لم يظهر لي وجه اعتراضك على كلام الحافظ!
فإن المثال الذي ذكرته هو بعينه الذي يتأتى فيه وضع المتصل عوضاً عن المنفصل وقد صحت الرواية بنحوه عند مسلم.
أما اختلافها عن الجملة المعبر فيها بالضمير المنفصل من حيث الإعراب والإسناد فظاهر وإن لم يكن له كبير أثر ولا أرى في كلام ابن رجب ما يعارضه ليعترض عليه به، أما الفرق من حيث المعنى فغير ظاهر، والمثال الذي ضربتموه أفاد الحصر من جهة تغيير ترتيب الجملة بتقديم ما من شأنه التأخير، وهذا لايؤدي إلى خلاف في المعنى بل إلى زيادة فيه.
ثم إن الحافظ لم يقل بعدم وجود هذه الفروق حتى يقال إن في ما أورده نظر؟ فهلا أفصحتم أكثر عن رأيكم، وجزاكم الله خيراً.
¥