تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[21 - 06 - 03, 10:54 ص]ـ

((منقول بتصرف من بعض الكتابات))

الاستشهاد بالقرآن والحديث

أجمع علماء اللغة والنحو على اتّخاذ القرآن الكريم على رأس مراجع الاحتجاج في جميع علوم اللغة، لإثبات صحّة لفظ أو تركيب أو معنىً من المعاني [21]، وذلك باعتباره قمّة البلاغة والفصاحة في اللغة العربية، وأعلى مراحل البيان العربي الذي أعجز العرب عن أن يأتوا بمثله، فقد سفّه أحلامهم، وسخر منهم، وتحدّاهم في عقر دارهم ـ وهم أهل الفصاحة والبيان ـ حين وصفهم بالعجز عن الإتيان بسورةٍ واحدة من مثله، ووصف الإنس والجنّ بالعجز عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً.

أمّا الحديث النبوي الشريف، فمن المسلّم به أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله كان أفصح من نطق بالضاد، فهو القائل: «أنا من قريش، بيد أنّي أفصح العرب ... » [22] ((حديث ضعيف)) ولم يكن صلّى الله عليه و آله يتكلّم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها، وعلى ذلك إجماع المسلمين منذ فجر الرسالة إلى يومنا هذا، ورغم ذلك فقد وقع الاختلاف بين اللغويين والنحويين في صحّة الاحتجاج بالحديث، فاللغويون لا يوجد بينهم من منع الاستشهاد بالحديث لأجل الاستدلال على معاني اللغة، ومصادر فقه اللغة والمعاجم اللغوية زاخرة بالأحاديث والأخبار، أمّا النحاة فقد اختلفوا في ذلك بين مانعٍ ومجوّزٍ وآخر متوسّط بينهما.

1 ـ المانعون من الاستشهاد بالحديث

ذكر أبو حيّان في (شرح التسهيل) أنّ الواضعين الأولين لعلم النحو، المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من أئمّة البصريين، والكسائي والفرّاء وعلي بن المبارك الأحمر

وهشام الضرير من أئمّة الكوفين، لم يستدلّوا بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكليّة في لسان العرب، وكذا غيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس [23].

على أنّه لم يرد تصريح من النحاة المذكورين في هذا الأمر، لكن بعض المتشدّدين من متأخّري النحاة [24] ذكر أنّ الأسباب التي منعت هؤلاء من الاحتجاج بالحديث تتلخّص بأمرين:

الأولّ: أنّ الأحاديث لم تُنقل كما سُمِعت من النبي صلّى الله عليه و آله لجواز رواية الحديث بالمعنى.

الثاني: أنّ كثيراً من رواة الحديث كانوا غير عربٍ بالطبع، فوقع اللحن وغير الفصيح في كلامهم وهم لا يعلمون [25].

2 ـ المجوّزون

ومقابل هؤلاء وقف فريق من أئمّة النحو إلى جانب الحديث، فاستشهدوا به في ألفاظ اللغة وتراكيبها، منهم السهيلي ت 581 في أماليه، وأبو الحسن الحضرمي المعروف بابن خروف ت 609 هـ، شارح كتاب سيبويه، وابن مالك ت 672 هـ والذي أكثر الاستشهاد بالحديث في (شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح)، والرضي الأسترآبادي ت 686 هـ، شارح أبيات كافية ابن الحاجب، وابن هشام ت 761 هـ، وغيرهم كثير [26].

وقال البغداديّ: الصواب الاحتجاج بالحديث للنحوي في ضبط ألفاظه، ويلحق به ماروي عن الصحابة وأهل البيت كما صنع الشارح المحقّق الرضي [27].

3 ـ المتوسّطون

توسّط بعض العلماء بين الفريقين، فجوّزوا الاحتجاج بالحديث المنقول بلفظه دون غيره المنقول بالمعنى، ومن أبرز ممثّلي هذا الاتّجاه أبو إسحاق الشاطبي ت 790 هـ الذي قال في (شرح الألفية): أمّا الحديث فعلى قسمين: قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه، فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان، وقسم عُرِف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص، كالأحاديث التي قُصد بها بيان فصاحته صلّى الله عليه و آله ككتابه لهَمْدان، وكتابه لوائل بن حُجر، والأمثال النبوية، فهذا يصحّ الاستشهاد به في العربية [28].

موقف المانعين ... الدوافع والآثار

ذكرنا أنّ أهمّ ما تذرّع به المانعون من النحاة لسلب حجيّة الحديث النبوي الشريف في إثبات القواعد العربية، هو جواز رواية الحديث بالمعنى

هذا مع أنّ تدوين الحديث كان على أصل الإباحة في زمان الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله كما تدلّ عليه سيرته القولية والعملية، وكان أمراً مألوفاً يزاوله بعض القادرين عليه من الصحابة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير