.. وذكرتم في كتابكم أنّ قائلاً يقولُ ... إنّ الغبنَ أن تكونَ 426 صفحة ً من ذكرى أبي العلاءِ بعشرةِ قروشٍ، و 250 صفحة من كتابِ المساكين ِ بمثلها – أو كما قالَ -، فهذا – ويحفظكَ اللهُ – سببٌ من أكبرِ أسبابِ سقوطِ الأدبِ عندنا، إذ يُريدُ الناس ألا يعرفوا التأليف وكدّ العقول ِ إلا تجارة الورق ِ .... ، كما يصنعُ أصحابُ المكاتبِ الذين يشترونَ ورقاً أبيضَ ويبيعونهُ ورقاً أسود، وكما يصنعُ سقاط المؤلفين الذينَ يصنعون هذا الصنيع لأنّه لا فرقَ بين صاحب مكتبةٍ يطبعُ كتابَ رجل ٍ ماتَ، وبين مؤلّفٍ ينقلُ عن رجالٍ ماتوا، كلاهما لا عملَ لهُ إلا نقلٌ وتصحيحٌ وما أهونهُ عملاً!.
لقد قيلَ لي – مراراً – إن كتبي أكثر الكتبِ العربيّةِ رواجاً - ولعلّها كذلكَ -، ولكنّي مع هذا لا أبيعُ حياتي بالثمن ِ البخس ِ، وأنا واثقٌ أنّ لي عدداً من القرّاءِ يشترونَ كتبي بأي ثمن ٍ وجدوها به، فما ضرّني أن أجعل القاريء منهم بخمسةٍ من مثل ذلك القائل ..... !.
إنّها أسطرُ ضائعة ٌ أخطّها في هذا المعنى .... !.
لم أقرأ " ذكرى أبي العلاءِ " ولا أعرفُ ما هي، ولكن أخبرني أحدُ الذينَ ساعدوا في تأليفها – وهم ثلاثةٌ غيرَ صاحبها – أنّها ليست ممّا يُقالُ إنّهُ هناكَ، ولا علمَ لي بالغيبِ وأستغفرُ اللهَ ولعلها من الكتبِ الممتعةِ.
غيرَ أنّ ثمنها ليس في تسعيرةِ أثمان ِ الموادِ الغذائيةِ، فكيف يُريدُ صاحبكم أن يوجبَ على المؤلفينَ أن يبيعوا كل 42 صفحة بقرش ٍ واحدٍ!.
أمّا لفظة ُ " المستلم ِ " فقد وقعتْ خطأ، وقد طلبَ أحدهم إلى أبي عبيدة َ أن يكتبَ له كتاباً يستشفعُ بهِ إلى رجل ٍ من الأمراءِ، فأملى أبو عبيدة على كاتبٍ وقال لهُ: اكتبْ والحن، فإنّ اللحنَ مجدودٌ – أي محفوظٌ – صاحبهُ ... !.
لا أعرفُ موعدَ صدورِ الكتابِ فللمطابعِ المصريةِ مواعيدُ غير معروفةٍ ..... وساعةُ المواعيدِ في مصرَ لا ضبطَ لها ولا يمكنُ أن تضبطَ إلا في يدِ نبيٍّ مصريٍّ – إن ظهرَ في مصرَ نبيٌّ آخرُ .... !.
أختمُ كتابي بالشكرِ لكَ ... والسلام عليك.
من الداعي مصطفى
6 – يُثني علينا ويدعو لنا
طنطا في 2 يناير سنة 1916
أيّها الأخُ
السلامُ عليكَ،
وإنّي شاكرٌ همّتكَ مُثن ٍ على مروءتكَ، وأنتَ من أهل ِ الثناءِ والشكرِ، وإن إخلاصَ مثلكَ لمن يُعاني الأدبَ لخليقٌ أن يكونَ ثواباً يغتبطُ بهِ الأدباءُ.
أسألُ اللهَ أن يسرّني بنبوغكَ، وأن يجعلَ هذه المسرّةَ دانيةً قريبةً فإنّي أرى فجركَ قد بدأتْ تباشرهُ.
وسلامهُ تعالى ورحمته وبركاتهُ.
الداعي مصطفى صادق الرافعي
7 – رأيهُ في طريقةِ الجاحظِ في دراسةِ الأدبِ
(نزلتْ بنا نكبةٌ ماليّةٌ ذهبتْ بكل ما كانَ يملكُ أبي وخرجَ حكمُ قريتنا من بيتنا بعد أن ظلّ فيهِ قروناً طويلة يتولاّهُ الخلفُ منهم عن السلف، وكنتُ قد أشرتُ إلى ذلكَ في كتابٍ أرسلتهُ إليهِ، فجاءَ كتابُ منهُ هذه صورتهُ):
طنطا في 10 يناير سنة 1916
أيّها الأخُ
السلامُ عليكَ،
وقد جاءني كتابكَ وكأنّما هو جرحٌ دامٍ يحملُ السهمَ الذي أدماهُ، فدع ِ الأمرَ للذي قدّرَ الأمرَ، وكأيّن من كارثةٍ انجلتْ عن نعمٍ كثيرةٍ .... ، وأمّا العملُ الذي طلبتهُ فلا أرى أينَ أجدُه لكَ، وكيفَ أجدهُ في هذه الضائقة التي تركت الناسَ كأنّهم على بعثٍ لا يقولُ الواحدُ منهم إلا نفسي!.
إنّنا في وقتٍ لا ينفذُ فيه النورُ فلا أدري كيفَ أشيرُ عليكَ أن تنفذَ أنت، ولكنّي أسأل الله أن يهبكَ حظّاً من التوفيقِ فما يفتحُ اللهُ للناس ِ من رحمةٍ فلا ممسكَ لها.
كتبتُ لكَ أسماءَ بعض ِ كتبِ الاجتماع ِ والفلسفةِ الأدبيةِ، ومن هذه الأسماءُ " كتاب الفلسفةِ النظريةِ " وفيهِ وحدهُ الكفاية ُ، وقد طبعَ منه ستة أجزاء في علم الاجتماع والمنطق والفلسفةِ وعلم التربيةِ والأخلاق، والكتابُ أصلهُ اثنا عشر جزءاً وهو تأليف قوم ٍ من أعلم ِ الناس ِ بتلكَ الفنون ِ، وكان تعريبهُ وطبعهُ في بيروت ولكن أينَ منّا بيروتُ؟!.
اقرأ كل ما تصل إليهِ يدكَ فهي طريقة ُ شيخنا الجاحظِ، وليكن غرضكَ من القراءةِ اكتساب قريحةٍ مستقلةِ وفكرٍ واسع ٍ وملكةٍ تقوّي على الابتكار.
¥