الإنشاء لا تكون القوة فيه إلا عن تعب طويل في الدرس وممارسة الكتابة والتقلب في مناحيها والبصر بأوضاع اللغة وهذا عمل كان المرحوم الشيخ " محمد عبده " يقدر أنه لا يتم للإنسان في أقل من عشرين سنة.
فالكاتب لا يبلغ أن يكون كاتبا حتى يبقى هذا العمر في الدرس وطلب الكتابة.
فإذا أوصيتك فإني أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن ومراجعة " الكشاف " (تفسير الزمخشري).
ثم إدمان النظر في كتاب من كتب الحديث " كالبخاري " أو غيره، ثم قطع النفس في قراءة آثار " ابن المقفع " " كليلة ودمنة " " واليتيمة " والأدب الصغير "، ثم رسائل " الجاحظ، وكتاب " البخلاء " ثم " نهج البلاغة " ثم إطالة النظر في كتاب " الصناعتين " و " المثل السائر " لابن الأثير، ثم الاكثار من مراجعة " أساس البلاغة " للزمخشري.
فإن نالت يدك مع ذلك كتاب " الأغاني " أو أجزاء منه و " العقد الفريد "، و " تاريخ الطبري " فقد تمت لك كتب الأسلوب البليغ.
اقرأ القطعة من الكلام مرارا كثيرة، ثم تدبرها، وقلب تراكيبها، ثم احذف منها عبارة أو كلمة، وضع ما يسد سدها ولا يقصر عنها، واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترق إلى درجة أخرى.
وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها، وبمثل أسلوبها، فإن جاءت قطعتك ضعيفة فخذ في غيرها، ثم غيرها، حتى تأتي قريبا من الأصل أو مثله.
اجعل لك كل يوم درسا أو درسين على هذا النحو فتقرأ أولا في كتاب بليغ نحو نصف ساعة، ثم تختار قطعة منه فتقرأها حتى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في معارضتها على الوجه الذي تقدم – تغيير العبارة أولا ثم معارضة القطعة كلها ثانيا – واقطع سائر اليوم في القراءة والمراجعة.
ومتى شعرت بالتعب فدع القراءة أو العمل، حتى تستجم ثم ارجع إلى عملك ولا تهمل جانب الفكر والتصوير وحسن التخييل.
هذه هي الطريقة ولا أرى لك خيرا منها، وإذا رزقت التوفيق فربما بلغت مبلغا في سنة واحدة:
وأولا رأيك أن تستفيد وآخر رأيك أن تجتهد
هذا بيت عرض لي الآن فربما كان خلاصة الوصية.
... وفي الختام أرجو أن توفق بما تحاول.
والسلام.
الرافعي
في نيتي أن أضع رسالة صغيرة في معارضة " الدرة اليتيمة " لابن المقفع، بنفس الأسلوب وعلى الطريقة الأولى في الكتابة العربية، طريقة المتقدمين، فما رأيك في هذا؟.
20 – كيف يفلح الأديب في الكتابة
طنطا في 30 يناير سنة 1918
يا أبا رية:
السلام عليك، وبعد،
فإني أرجو أن تكون من نفسك في عافية، وأن يكون قد فتح عليك من الأدب والكتابة جزاءا بما درست – إن كنت درست -، وبما صبرت – إن كنت صبرت -، إنه ليس بين الشيخ أبي رية الذي نعرفه والشيخ أبي رية الكاتب المشهور إلا سنتان من عمر الجد والتعب، وما أرى أحدا يفلح في الكتابة والتأليف إلا إذا حكم على نفسه حكما نافذا بالأشغال الشاقة الأدبية، كما تحكم المحاكم بالأشغال الشاقة البدنية، فاحكم على نفسك بهذه الأشغال سنتين أو ثلاثا في سجن " الجاحظ " أو " ابن المقفع " أو غيرهما، وهبها كانت في أبي زعبل أو طرة ... .
أنا لا أزال بين مريض وصحيح، وقد كان مرضي إنذارا لي من طبيعتي فلو تماديت في العمل لهدمت نفسي هدما لا يرمم، ولا بد لي من ترك دماغي وشأنه سنة كاملة، لا يكون همي فيها إلا الرياضة والهواء، حتى يتجدد ما اندثر ويشتد ما ضعف، ولعل الله يعقب بعد عسر يسرا، فإن قدر لي أن أكتب في معارضة " اليتيمة " وأنا شديد الرغبة في ذلك، فإن ما يكون هذا بعد السنة – إن شاء الله - ... .
إن أذني لا تزال مريضة يا أبا رية، ولا أكاد أتعزى بما عزيت به الناس، فادع الله لي.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الداعي مصطفى صادق الرافعي
...........
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[30 - 08 - 05, 05:16 ص]ـ
معذرة يحذف للتكرار
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[30 - 08 - 05, 03:25 م]ـ
أخي أبا عبد الرحمن ....... واصل حفظك الله ..... فلهذه الرسائل قيمة أدبية كبيرة .... فضلا عن قيمتها التاريخية فهي شاهدة على مرحلة من أحرج مراحلنا التاريخية ...... وفقك الله.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[30 - 08 - 05, 05:20 م]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا وبارك فيكم ...
لكني نقلتها من منتدى ((الساحات))، كما ذكرت، وإني لأتمنى أن أقتني نسخة من الرسائل او مصورتها في أقرب وقت، يسر الله ذلك ...
ـ[أبو المعتز القرشي]ــــــــ[01 - 09 - 05, 05:54 ص]ـ
نقل موفق بارك الله فيك ابا عبد الرحمن