اجتهد أن تستتم في الكتابة والأدب – كما قلت لك – فإن لم تساعدك المعيشة فلا تساعدها على نفسك.
والسلام عليكم ورحمة الله.
الداعي مصطفى صادق الرافعي
كتبت هذه الأسطر أمس ثم طويت الكتاب لعلي أغير منه أو أزيد فيه، ثم أنسيته وما نبهني الآن إلا مرور نسوة وأطفال صغار يلطمن ويصرخن ويحاولن أن يعلن سكان السماء بمصيبتهن في عائلهن، الذي قضت عليه محكمة الجنايات، وكأنها قضت عليهن معه، فقلت وأين هذا مما يشكو منه أبو رية؟.
اللهم إنه لا نعمة كالعافية والأمن، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها.
فاحمد الله على أنك لا تشكو إلا حرارة الماء، فإنك ترى من يشكو لهب الجمر!، ورزق ربك خير وأبقى.
17 – رأيه في بيت من شعر البارودي
أيها الأخ:
يسرني أن يكون فيما كتبته إليك بعض السلوى وعسى تأخذ نفسك بأدب الحكماء والفلاسفة، فإن نصف هذا الأدب ازدراء الدنيا وحوادثها .... .
وأما بيت البارودي فهو كما ذكرتم وقد أخطأ الشارح في ضبطه وشرحه، كما أخطأ في كثير، ولقد ابتلي البارودي – رحمه الله – في حياته بنكبات عدة، وابتلي بعد موته بهذا الشارح الذي أفسد عليه ديوانه، وصرف رغبات الناس عنه بهذا الخلط الذي جمعه وسمّاه شرحا.
وحماسة البحتري كتاب طبعه اليسوعيون في بيروت وهو في حجم جزء من ديوان البارودي، واختار فيه البحتري أشعارا كثيرة، على نحو ما فعل أبو تمام في حماسته ... ، ولم يبق بعد مختارات البارودي حاجة إلى هذا الكتاب، إلا لمن يريد غرضا خاصا، أما من أراد الشعر ففي المختارات ما يكفي.
ولا أدري لماذا لا تتفق لك الآمال التي ذهب زمانها، كأنما ذهب زمنك أيضا، فأنت الآن كالشيخ علي يعيش في زمن مطلق لا يقبل التقسيم إلى ماض وحاضر ومستقبل، فكل الأمر لله وانتظر ما يطلع به الغيب.
والسلام عليكم ورحمة الله.
16 ديسمبر 1916
مصطفى صادق الرافعي
18 – بينه وبين جرجي زيدان
طنطا في 13 يونيو سنة 1917
حضرة الأخ:
السلام عليكم، وبعد،
فإني في كتابكم روحا يدل على أن شيئا من حالكم قد تحسن، أو جانبا قد تردم ... ، إن كتابتك عن المساكين بعنوان " كلمة مسكين " مما يحسن وقعه لأنك تعبر عن شعور فقري صحيح ... .
ولم اطلع على ما كتبته " الثمرات " فإن كان عندك العدد فاقتطع منه تلك الكلمات وأرسلها.
أما " الأخبار " فعلمت أن الذي كتب فيها رجل قسيس من " الفرير "، وقد كتب قطعة طويلة وليست عندي لأني لا أجمع الصحف التي تكتب عني، وقد ندمت أخيرا على هذا الإهمال ولكن لات ساعة مندم.
وكذلك العدد الذي كتبت فيه كلمة الهمزة فقد فقدته، لأني مكتبي الآن مريض مثلي، فأنا ألقي عليه مثل هذه الأعداد والأولاد يمزقون ... .
الذي قرّظ " المساكين " في الأهرام هو " الجميل " صاحب مجلة " الزهور " ومجلته الآن معطلة، و " الأهرام " تعتمد عليه في بابي الانتقاد والتقريظ.
أما كلمة " المقطم " فيظهر أنك عرفت كاتبها .. و " الهلال " فإني عجبت من كتابته وقد أخلف ما وعد، فأحللت نفسي مما وعدته ونويت أن لا أكتب المقالة التي طلبها.
وصاحب الهلال القديم – المأسوف عليه – كان يجلني ويمدحني، حتى إذا أصدرت " تاريخ آداب العرب " تغير لي وأخذ يعرض بي تعريضا في مجلته من غير أن يصرح باسمي، فكتب بضع مقالات من هذا النمط، وأظن أن ابنه يشبهه.
ولقد كنت أنا السبب في أن " زيدان " ألف كتابه " تاريخ آداب اللغة العربية "، ولذلك تاريخ لا محل له الآن.
أما " أمين بك الرافعي " فهو رجل حر الضمير، كبير النفس .. ولو رأيت أخاه " عبدالرحمن بك " لرأيت عجيبا في الأخلاق والفضائل.
أختم بطيب التحية، وإن كان عندكم شيخ كالشيخ " علي " فاسأله لي الدعوات.
والسلام .. .
مصطفى صادق الرافعي
19 – كتب الأسلوب البليغ وكيف تقرأ؟
طنطا في 25 نوفمبر سنة 1917
يا أبا رية:
السلام عليك،
وقد كنت مريضا وسافرت إلى مصر ... لقد تخيلت كثيرا في الوصية التي تطلبها وما أشبهك برجل لا يصلي ولا يصوم ولا يؤتي الزكاة ولا يحج، ثم يريد أن يخرج كفارة تسقط عنه كل ذلك، ويبقى وادعا مستريحا وله ثواب الصائم بدريهمات معدودة ... .
¥