تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

للعُلَمَاءِ في إعْرابِ هذِه الآيَةِ آراءٌ عِدَّةٌ ([376])،مِنْها رَأيٌ لأبي الحَسَن بنِ البَاذِش نَقَلَهُ عَنْه تِلْمِيذُه ابنُ عَطِيَّةَ الأندلسي،قال ([377]): "قالَ الأسْتاذُ الأجَلُّ أبو الحَسَن بنُ أحْمَدَ شَيْخُنا: (هؤُلاءِ) رَفْعٌ بالابْتِداءِ، و (أَنْتُم) خَبَرٌ مُقَدَّم، و (تَقْتُلُونَ) حَالٌ بِها تَمَّ المَعْنى،وهي كَانَتْ المَقْصُودَةَ،فهي غَيْرُ مُسْتَغْنى عَنْها،وإنّما جَاءَتْ بَعْدَ أَنْ تَمَّ الكَلامُ في المُسْنَدِ والمُسْنَدِ إليه كَما تَقُولُ: (هذا زَيْدٌ مُنْطَلِقاً)، وأنتَ قد قَصَدْتَ الإخْبَارَ بانْطِلاقِه لا الإخْبَارَ بأَنَّ هذا هو زَيْدٌ ".

وقد خَالَفَ ابنُ الباذِش في هذا الرَّأيِ سِيْبَوَيْه وغَيْرَه مِنْ نُحَاةِ البَصْرَة حَيْثُ يَذْهَبُ سِيْبَوَيْه إلى أنّ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤُلاءِ) خَبَرٌ و (تَقْتُلُونَ) في مَوْضِعِ الحَالِ ([378]).

ويَتَعَجَّبُ أَبُو حَيَّانَ مِنْ رَأيِ ابنِ الباذِش فيقولُ ([379]): " ولا أَدْري مَا العِلَّةُ في عُدُولِه عَنْ جَعْلِ (أَنْتُم) مُبْتَدأ و (هؤلاءِ) الخَبَرَ إلى عَكْسِه "، ولَعَلَّ في رَأْيِ ابنِ الباذِش شَيْئاً مِنْ الصَّوابِ إِذ لَمِ يُرِدْ اللهُ ـ سُبْحانَه وتعَالى ـ الإشَارَةَ إِلَيْهِم، إِنَّما أَرَادَ الإخْبَارَ عَن مَاهِيَّتِهِم وتَصَرُّفَاتِهِم مِنْ قَتْلِ النّفْسْ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وغَيرِ ذلك،فالمَعْنى المُرَادُ مِنْ الآيَةِ: أَنْتُم تَقْتُلُونَ أَنْفَسَكم وتَسْفِكُون دِمَاءَكُم،ولِتَوضِيحِ المَعْنى نُفَرِّقُ في المَعْنى بَيْنَ (هؤلاءِ أَنْتُم) و (أَنْتُم هؤلاءِ)، ففي الجُمْلَةِ الأولى الإخْبَارُ عَنْ اسْمِ الإشَارَةِ، أيْ:الإخْبَارُ عن المُشَارِ إليه بضَمِيرِه، أي:بِذَاتِهِ، ولَيْسَ هذا هو المُرَادُ في الآيَةِ، وإِنَّمَا المُرادُ الإخْبَارُ عَنْ ذَاتِهم أنَّهُم يَفْعَلُونَ كَذا وكَذا، كَقَولي لَكَ: أَنْتَ هذا تَأكُلُ وتَشْرَبُ، والمَعْنى يُوحِي أَنَّ اسْمَ الإشَارَةِ تَوْكيدٌ للضَّميرِ، وهذا المَعْنى هو الّذي دَفَعَ ابنَ الباذِش إلى القولِ بهذا الرَّأيِ، وأَرَاه صَواباً، والله أعلم.

ويَرى بَعْضُ الكُوفِيّين أَنَّ (هؤلاءِ) مُنادى حُذِفَ مِنْه الأداةُ،وقد نَسَبَ الرَّضِيُّ هذا الرَّأيَ لَهُم مُعَلِّلِينَ بأَنَّ اسْمَ الإشَارَةِ مَعْرِفَةٌ قَبْلَ النِّداءِ، فلِذلكَ جَازَ حَذْفُ الأدَاةِ قبلَ اسْمِ الإشَارَةِ ([380])، وبَعْضُهُم يُجِيزُ أَنْ تَكُونَ أَسْمَاءُ الإشَارَةِ بمَعْنى الأسْمَاءِ المَوْصُولةِ، فيُصْبِحُ مَعْنى الآيَةِ:أَنْتُم الذين تَقْتُلونَ ([381]).

وقيلَ في الآيَةِ: إِنَّ (هؤلاءِ) مَنْصوبٌ عَلى الاخْتِصَاصِ ([382]).

وقيلَ: (تَقْتُلونَ) جُمْلَةٌ مُسْتَأنَفَةٌ ([383]).

وقيلَ: (هؤلاءِ) خَبَرٌ، ولكن بتَأويلِ حَذْفِ المُضَافِ، أي: مِثلَ هؤلاءِ ([384]).

توجيه قوله تعالى: " تِلْكَ عشرةٌ كاملةٌ " {البقرة 196}

نَقلَ لنا أبُو حَيَّانَ في تَفْسِيرِه رَأياً لابنِ الباذِش في تَوجيهِ قولِه تعالى: "تِلْكَ عَشْرَةٌ كَامِلَةٌ " فقالَ ([385]): " فقالَ الأستاذُ أبُو الحَسَن عَليّ بنُ أحمدَ الباذِش مَا مَعْناه: أَتَى بِعَشْرَةٍ تَوْطِئةً للخَبَرِ بَعْدَها، لا أنّها هي الخَبَرُ المُسْتَقِلّ به فَائِدَةَ الإسْنَادِ، فجِيءَ بِهَا للتوكِيدِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ رَجُلٌ صَالِحٌ " يَعْني في هذا الكَلامِ أَنَّ المَقْصُودَ هو الإخْبَارُ بالصَّلاحِ، وجِيءَ بِرَجُلٍ تَوْطِئةً،إذْ عُلِمَ أنَّه رَجُلٌ، وفي هذِه الآيَةِ عُلِمَ أَنَّها عَشْرَةٌ حَيْثُ قالَ: " فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ في الحَجِّ وسَبْعَةٍ إِذا رَجِعْتمُ "، فهو لمْ يُرِدْ الإخْبَارَ أنَّها عَشْرةُ أيَّامٍ،إِنَّمَا أَرَادَ الإخْبَارَ بكَمَالِها.

وفي هذِه الآيَةِ آراءٌ أخْرى ([386])، فمِنْهُم مَنْ ذَهَبَ إلى أَنَّ المَقْصُودَ بِقَولِه (كَامِلَةٌ) إِزَالَةُ التَّوَهُّمِ ورَفْعِ الَّلبْسِ،إذْ قد يَظُنُّ القارِىءُ أَنَّ الواوَ في (وسَبْعَةٍ) للتَخْييرِ، فَأَزَالَ هذا الاحْتِمَالَ، وهذا رَأيُ الزَّجَّاجِ ([387]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير