تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذَهَبَ الأخْفَشُ إلى أَنَّ (كَامِلة) جِيءَ بِها للتوكِيدِ ([388])، وأَخَذَ بهذا ابنُ جِنِّي في خَاطِرِيّاتِه ([389]).

ويُلاحَظُ في رَأيِ ابن الباذِشِ في هذه الآيَةِ ومَا سَبَقَهَا بالمَعْنى، فتَوْجِيهُه للآيَةِ كَانَ مُعْتَمِداً عَلى فَهْمِه للآيَةِ بِكَمَالِهَا لا نَظْرَةً مُقْتَصِرَةً عَلى التَّرْكِيبِ، فإِعْرَابُه لِهذا التَّرْكِيبِ كَانَ ضِمْنَ نَصٍّ كَامِلٍ، فاللهُ ـ سُبْحَانَه وتَعَالى ـ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُخْبِرَهُم أَنَّها عَشْرةُ أَيَّامٍ، فهُم يَعْرِفُونَ أَنَّها عَشْرَةُ أَيَّامٍ، ولا حَاجَةَ لإخْبَارِهِم عَنْها، وإِنَّما أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَهُم عَنْ كَمَالِها،فلا أَرَى رَأياً مِنْ هذِه الآراءِ أَقْرَبَ إلى المَعْنى مِنْ رَأيِ أبي الحَسَن بنِ الباذِش.

الفصل الثالث: خلافه مع ابن الطراوة

خِلافُه مَعْ ابنِ الطَّراوةِ

قيلَ: إنَّ لابنِ الطَّراوَةِ مُؤَلَّفاً خَصّه بمَسْألةِ نَحويّةٍ جَرَتْ بينَه وبَينَ ابنِ الباذِش ([390])، ولا نعلمُ حَقيقةَ هذِه المَسْألةِ، فلَمْ يُشر إلى فَحْواها مَنْ ترجَمَ لابنِ الطَّراوَةِ أو لابنِ الباذِش، ويَبدو أنَّ بَينَ العَالِمَيْن خِلافاً لا يقفُ عندَ حدودِ مَسالةٍ نَحويَّةٍ.

ويُمْكِنُ أَنْ نَتِعَرَّفَ عَلى أَبْرزِ نُقاطِ الاخْتِلافِ بينَ الشَّخْصِيَّتَين مِنْ خِلالِ نَهْجِ الحَياةِ العِلميَّةِ في ذلك العصرِ،فقد كَانَ اهتِمامُ نُحاةِ الأندلسِ بجُمْلةٍ مِنْ كتبِ أهلِ المَشْرقِ، منها كتابُ سِيْبَوَيْه والمقتضَبُ للمبَرّدِ وأُصولُ ابنِ السَّراجِ وجُمَل الزجّاجِيّ الذي زادَت شروحه الأندلسية عن خَمسين شرحاً، كما ذاعتْ كُتُب الفَارِسِيّ كالإيضاحِ وكتبُ ابنِ جنِّي كاللُّمَعِ الذي اهتِمامَ علماءِ الأندلسِ، ومِنْ الكتبِ التي نَالتْ اهتِمامَ العلماءِ كتاب الكافي لأبي جعفر النَّحاس.

أَمَّا الخِلافُ بينَ العَالِمَين فيُمْكنُ تَبَيُّنُهُ مِنْ خِلالِ مَوْقِفِهِما مِنْ هذِه الكتبِ، فابنُ الباذِش عَالِمٌ مُلتَزِمٌ بعِلمِ القدَمَاءِ،مُعْجَبٌ بجُهُودِهم، ولا يُحاولُ الخُروجَ عَنْ النَّهْجِ الذي رَسَموه، فهو يُتابِعُ سِيْبَوَيْه في كُلِّ مَسألةٍ،وقد قيلَ عنه ([391]): " كانَ مِنْ أحفظِ النّاسِ لِكِتابِ سِيْبَوَيْه وأَرْفَقِهم به "، وكَانَ ابنُ الباذِش أَكثرَ النّاسِ إعْجاباً بالفَارِسِيّ وإيضاحِه حَتَّى قالَ فيه:

أَضِعْ الكَرى لِتَحَفُّظِ الإيضاحِ وصِلْ الغُدُوَّ لفَهْمِه برَواحِ

ومَنْ كَانَ مُعْجَباً بالفَارِسِيّ وكتبِه أُعْجِبَ بابنِ جِنِّي وكتبِه، فلابنِ الباذِش شرحٌ لأحَدِ كُتبِهِ، وهو المُقتَضَبُ مِنْ كلامِ العربِ، وهو كتابٌ صَغيرٌ مختصرٌ في اسْمِ المَفْعُولِ مُعْتلِّ العين،كما شَرَحَ ابنُ الباذِش جُمَل الزَّجّاجِيّ،ولَمَسْتُ في هذا الشَّرْحِ عِدَّةَ انتِقاداتٍ لآراءِ الزَّجّاحِيّ،أمّا مَوقفُ ابنِ الباذِش مِنْ كتابِ الكافي لأبِي جعفر النحاس فهو مُخْتلفٌ عن مَوقفِه مِنْ بَقِيَّةِ الكُتُبِ، فلابنِ الباذِش نَقدٌ على هذا الكتابِ يُبَيّنُ فيه وَهْمَ أبي جعفر النحاس في أكْثَرِ مِنْ مئةِ موضعٍ.

أَمّا ابنُ الطَّرَاوَةِ فقد اخْتَلفَ في نَهْجِه عنْ نَهْجِ ابنِ الباذِش، فقامَ بنَقدِ كِتابِ سِيْبَوَيْه الذي يَعُدُّه ابنُ الباذِش حُجَّةً، وذلكَ مِنْ خِلالِ كتابِه "المُقَدِّمَات" فقد حَفلَ هذا الكتابُ " وبصورَةٍ واضِحَةٍ بنَقدِ سِيْبَوَيْه، فَأثارَتْ هذِه الصورةُ مُعَاصِريه عليه" ([392]).

أمّا كتبُ أبي عَليّ الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي فهو يَرى أَنَّها " كتبٌ لا تَتَضَمَّنُ جَديداً، وأَنَّها لا تعدو أَنْ تكونَ أسْماءً خاليَة مِنْ المَضْمونِ، وأنّ الأجْدَرَ صَرْفُ هِمَمِ الناشِئينَ إلى كتابِ سِيْبَوَيْه والجُملِ للزَّجّاجِيّ والكافي لابن النحاس، فهذِه ـ كَمَا يقولُ ـ تواليفُ مُسْنَدةٌ ذاتُ قوانينَ مُقيَّدةٍ، وأمّا هذا السيلُ الجَارِفُ المنسوبُ إلى الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي فهو ـ إلى أنَّه لا يُفيدُ جديداً ـ قد خلا مِنْ شَرْطِ النقلِ عن الثقةِ " ([393]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير