تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أوّلاً: لا يَتّفقُ واقِعُ الحَياةِ السياسيّةِ في الأنْدَلُسِ في القَرْنِ الخامسِ وبدايَةِ القرنِ السادِسِ الهجري مَعْ مَا شَهِدَته البِلادُ مِنْ ازدِهارٍ في الحَياةِ العِلميَّةِ،فالأنْدَلسُ كانَت تُعاني مِنْ فوضى واضطِرابٍ سِياسِيّ،وهذا الواقعُ السياسي لا يَسْمحُ بالتفرّغِ لطلبِ العِلمِ، فهناك نقيضان:اضطرابٌ سياسي متمثِّلٌ بتمزّقِ الأندلس،وازدهارٌ علمي.

ثانياً: عاشَ ابنُ الباذِشِ في أسْرَةٍ مُحبَّةٍ للعلم، والظاهر أنّ لقبَ الباذِشِ لقَبٌ للأسْرَةِ لا لهذا العالم وحده،فالأصل في اسمه:"أبو الحسَن علي بن أحمد بن خلف الباذِش"، وعُرِفَ ابن الباذِشِ بورعه وحبّه للعلم، فأخَذَ من العلوم كافة، ويشهد على ذلك شيوخُه وتلامِيذه، وعُرفَ منها بعلمي النحو والقراءات، أمّا علمُ القِراءاتِ فأخَذَه عنه ولدُه أبو جعفر، وصَنّفَ كتابَ الإقناعِ في القراءاتِ السبع فكانَ مِنِْ أحسنِ الكتبِ في هذا العلمِ ـ كما يقول أبو حيان في تفسيره ـ،وفي هذا الكتاب وضع أبو جعفر جميع ما أخذه عن والده، فعرضه عليه واستنار برأيه،كما ذكره في هذا الكتاب ما يزيد على خمسين مرّة.

ثالثاً: أمّا علمُه في النحو فكانَ له الجُهدُ الكبيرُ فيه،فقد نُسب إليه جملة من الشروح، منها شرح كتاب سيبويه والأصول وإيضاح الفارسي وجمل الزجّاجي وغيرها،ولم يصلنا شيء من هذه الكتب، وعُرِفَ بحبه لإيضاح الفارسي الذي امتدحه بأبيات عِدّة.

رابعاً:كانت مَنْزِلةُ أبي الحَسَن بنِ الباذِش عندَ النَّاسِ منزلةً رَفيعَة؛ وذلك بسببِ وَرَعِه وزُهْدِه، فكانَ إمامَ الفريضةِ بجامعِ غَرناطة،ومِنْ حُبّ النّاس له ازدحامُهم عندَ وفاتِه حتّى كسروا النعشَ،وكانت وفاته سَنَة ثمانٍ وعشرين وخمسمائة هجرية، ومولدُه سنة أربع وأربعين وأربعمائة.

خامساً: مَنْهَجُه النَّحْويّ: مِنْ الصعبِ تَحْديدُ و تَبَيُّنُ جَميعِ عَناصِرِ المَنْهَجِ النَّحويّ لشَخْصِيَةٍ نَحْويةٍ مِنْ خِلالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آرائِهِ القليلةِ، فلا يُمكنُ الحُكمُ عَلى مَوقِفِه مِنْ القِياسِ أو السَّمَاعِ أو العِلَلِ وغيرِها بدِقَّةٍ، وأحاولُ في هذا الموضع تَلَمُّسَ بعض عناصِرِ هذا المنهج، فاتَّضَحت بعضُ المَعَالِمِ مِنْ مَنْهَجِ ابنِ الباذِش أورِدُها فيما يأتي:

1 ـ إِنَّ مِنْ أهَمِّ المَلامِحِ التي وَضُحَتْ في مَنْهَج ابنِ الباذِش مَوْقفَه مِنْ بعضِ النُّحَاةِ، فقد ظهرَ جَليّاً أنَّ ابنَ الباذِش يَسيرُ عَلى خُطى سيبويه لا يَتجَاوزُه إلى غيرِه من العلماءِ، ولمْ أجدْ في هذه الآراءِ مَا يُخَالفُ فيه سِيْبَوَيْه،فتابَعَه في كلِّ مَسألةٍ، ولم يَقفْ الحَدُّ عندَ مُتابَعَتِه لآراءِ سِيْبَوَيْه بل تَجاوَزَ الأمْرُ إلى تَلمُّسِ تفسيرٍ وفهمٍ خاصٍّ لعبارَةِ سِيْبَوَيْه المبهمةِ، وقد وَضُحَ ذلكَ مِنْ خِلالِ حَديثِه حول العِلَّةِ الرَّافِعَةِ للاسْمِ وإيضاحِ مَعْنى المُضَارَعة والقولِ في عَلاماتِ الإعرابِ، وغيرها من المَواضِعِ، ويُحاوِلُ دَوْماً إيجادَ تسويغٍ لحُكمِ سِيْبَوَيْه النَّحويِّ، ويُكْثرُ ابنُ الباذِش مِنْ نَقلِ آرائِهِ والأخْذِ بِها، وهذا الأمْرُ نَجِدْه مَنْثوراً فيما نَقَلَهُ أبُو حيَّانَ مِنْ شَرْحِ ابنِ الباذِش للجُمَلِ في تَذْكِرتِه.

2ـ خَالفَ ابنُ الباذِش الفَارِسِيَّ في عِدَّةِ مَواضِعَ، ولا يَعْني مدحُ ابنِ الباذِش للفارِسِيِّ وكِتابِهِ مُتابَعَتُه له في كُلِّ آرائِه، والظاهِرُ لي أنَّ الفَارِسِيّ لمْ يَصِلْ إلى مرتبةِ سِيْبَوَيْه عندَ ابن الباذِش، فلا شكَّ أنَّه مُعجبٌ بالإيضَاحِ، وقد عَبَّرِ عَنْ هذا الإعجابِ في القصيدَةِ السابقةِ،وانتقدَ ابنُ الباذِش الزَّجّاجِيَّ في شَرحِه للجُمَلِ في عِدَّةِ مَواضِعَ، وهذا يَدُلُّ عَلى أنَّ هذِه الشخصيَّةَ لها تَمَيُّزُها واسْتِقلاليتُها، أمّا مَا لَمَسْناه مِنْ مُتابَعَتِه لسِيْبَوَيْه فهو في الحَقيقةِ إضافةُ فَهْمٍ جَديدٍ ونَظْرةٍ مستقلةٍ جديدةٍ لعبارةِ سِيْبَوَيْه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير