تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويَبدو واضِحاً أَنَّ بينَ العَالِمَيْن ندّيّةٌ شَديدةٌ، فابنُ الباذِش يؤلّفُ كتاباً يَنْتَقدُ فيه كتابَ الكافي، ويُخطّىءُ النَّحَّاسَ في نحو مئةِ مَسألةٍ، وابنُ الطَّراوَةِ مُعْجَبٌ بكتابِ الكافي،ونَجِدُه يؤلفُ كتاباً يَنْتقدُ فيه كتابَ الإيضاحِ الذي يُدافِعُ عنه ابنُ الباذِش، والسَّبَبُ في تأليفِ ابنِ الطَّرَاوَةِ لكِتَابِهِ " الإفصاح " هو في الحقيقةِ مَا ظهرَ في عَصْرِه من إعجابٍ بهذا الكتابِ والمَقصودُ مِنْ ذلكَ كلِّه أبو الحَسَن بنُ الباذِش، يقولُ ابنُ الطَّراوَةِ في الإفْصاحِ ([394]): "وكَانَ الذي حَدا إلى النَّظرِ في هذا الكتابِ تهافتاً في تفضيلِه عَلى غَيْرِه منْ المُخْتصَراتِ المَرْوِيَّةِ، وتظاهُرَ المُصَحِّفين لتقديمِه على التواليفِ المُسندَةِ خُروجاً مِنْ شَرطِ النقلِ عَن أهلِ الثقَةِ والإسْنادِ إلى الأئِمَّةِ ".

ويقولُ في موضعٍ آخرَ مفضِّلاً كتابَ سِيْبَوَيْه والجُمَل والكافي ومُعرّضاً بكتبِ الفَارِسِيّ وابنِ جِنِّي ([395]): " وغَبُنَ رأيُه مَنْ عدلَ عن التواليفِ المُسندةِ والقوانينِ المُقيَّدةِ كالجُمَلِ والكافي وكتابِ سِيْبَوَيْه الشافي، وفَرَغَ للإيضاحِ والشيرازياتِ والخصائصِ والحلبياتِ، ترجَمَةٌ تَروقُ بلا مَعنى، واسْمٌ يهولُ بلا جسمٍ إلا تَشدُّقاً بالكتبِ وإحَالةٍ على الصُّحُفِ، وإنَّ هذا لهو الخسرانُ المبينُ " وهذا هو التنافسُ والنِّدِّيَّةُ.

وخُلاصةُ القولِ في الخِلافِ النَّحْوي بَيْنَهُما أنَّ ابنَ الباذِش لا يَرى في كتابِ الكافي للنحاس شيئا يمكنُ أنْ يقدِّمَه على كتابِ الإيضاحِ،والأمْرُ ضِدَّ هذا عندَ ابنِ الطَّرَاوَةِ،أمّا كتابُ سِيْبَوَيْه فالذي أراه أنَّه خِلافٌ في فهمِ عِبارَةِ الكتابِ لا في تقديرِ الكتابِ نفسِه، فكِلاهُما يُجِلُّ سِيْبَوَيْه ويُقَدِّرُ كتابَه.

وهناكَ قضيَّةٌ أخْرى لها أكبرُ الأثرِ في الخِلافِ النَّحْويّ الذي دارَ بينَهما، وهذه القضيَّةُ تَتَعَلقُ في نَشأتِهما، فابنُ الباذِش نَشَأ في أُسْرةٍ مُتدَيِّنةٍ،وبَقِي مُحافِظاً عَلى هذا النَّهْجِ حَتَّى بَلَغَ درجَةً عاليَةً بينَ عُلماءِ الدينِ، فأصبحَ إمامَ الفَريضَةِ في جَامِعِ غَرْناطَةَ،وقد ذَكَرْتُ سابقاً أنَّ لابنِ الباذِش مُشارَكَةٌ في علومِ الحديثِ والقرآنِ، فهذِه النَّشأةُ تَجْعلُ مِنْ ابنِ الباذِش عالِماً مُلتَزِماً مُقدِّراً لجُهودِ القُدمَاءِ العلميّةِ.

أمّا ابنُ الطَّرَاوَةِ فلمْ تكُنْ له أيُّ مُشارَكةٍ في المَعارِفِ الإسلاميَّةِ، وتَجَاوَزَ ابنُ الطَرَاوَةِ هذا الأمْرَ بأنْ كانَ " لا يَحولُ بينَه وبينَ أنْ يَأخُذَ مِنْ الحَياةِ بشَيءٍ مِنْ المُتْعَةِ وأنْ يكونِ له مَجْلسُ شُرْبٍ وندامى، وأنْ يَحمِلَهُ الطَّربُ عَلى أنْ يقولَ الشعرَ فيمَنْ يَهوى ويُحِبُّ، وكانَ قد جَاوَزَ الشبابَ والكهولةَ" ([396]).

وأرى أنه لا اتفاقَ بينَهما في النَّشْأةِ،وهذا ولّدَ عندَهُما شَيئاً منْ التنافُسِ والنِّدِّيَّةِ،وقد تكونُ وَصَلتْ إلى دَرَجَةِ الكَرَاهيةِ، وهذا ظاهِرٌ مِنْ الكَلامِ الذي بَدَأ به ابنُ الطَّراوَةِ كتابَه الإفصاح، ولذلك أرى أنّ هذه النَّشأةَ كانَ لها الأثرُ الكبيرُ في الخِلافِ بينَهما.

نَتائِجُ البَحثِ وخَاتمتُه

يَتَّضِحُ مِنْ عنوانِ هذا البحثِ (أبو الحَسَن بنِ الباذِشِ الغرناطي وأثرُه النَّحْويّ) أنّ الباحِث يَهْدِفُ إلى التعرُّفِ على شَخصيَّةِ هذا العَالِمِ مِنْ خِلالِ دِراسَةِ آرائِه واخْتِياراتِه النَّحْويّة، فتحدّثَ في البدايةِ عن عصرِ هذه الشَّخْصيَّةِ والحَياةِ التي عاشَتها،ثمّ تناولَ ما نُسِبَ إليه مِنْ آراء واختياراتٍ وتوجيهاتٍ نَحْويةٍ،وتحدّثت في الختام عن خلافِ ابن الباذش معْ ابنِ الطَّراوَةِ.

ويودُّ الباحثُ هنا أنْ يُشيرَ إلى ما اسْتطاعَ التوصُّلَ إليه مِنْ نَتائِجَ يَجْدرُ به أنْ يُوجزَ أهمُّها:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير