تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وابن الأنباري أدرك تلك الأهمية لذلك يرى أن من أنكر القياس في النحو فقد أنكر النحو، لأن قولهم: نحن لا ننكر النحو لا نه ثبت استعمالاً ونقلاً لا قياساً وعقلاً، باطل لإجماع النحاة على أنه إذا قال العربي " كتب زيد " فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى تصح منه الكتابة سواء كان عربياً أم أعجمياً نحو: زيد) و (عمرو) و (بشير) و (أرد شير) وإلى مالا يدخل تحت الحصر، وإثبات مالا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال، وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة والناصبة والجازمة، فإنه يجوز إدخال كل عامل منها على مالا يدخل تحت الحصر فإنه يتعذر في النقل دخول كل عامل من العوامل على كل ما يجوز أن يكون معمولاً له (10).

وخلاصة الأمر أنه يثبت أن النحو إذا بطل أن يكون رواية ونقلاً، وجب أن يكون قياساً وعقلاً، لأن عوامل الألفاظ يسيرة محصورة، والألفاظ كثيرة غير محصورة " فلو لم يجز القياس، واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لأدّى ذلك إلى ألا يفي ما تخص بما لا تخص وبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل، وذلك مناف لحكمه الوضع فلذلك وجب أن يوضع وضعاً قياسياً عقلياً لا نقلياً " (11).

والقياس له عظيم الفائدة للغة وقواعدها فهو بمثابة شهادة ضمان للغة والدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ وبه أغلقت الأبواب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين، ولهو اللاهين، ونزق المستهزئين الذين يبذلون جهوداً ضخمة للتقليل من لغة القرآن لأنهم يدركون أن قوة الإسلام تكمن في لغته وبالتالي فهو بمثابة الضامن للغة حتى لانفتح أبواباً على اللغة من البلاء تسارع بها قدماً إلى الفناء، وقد وافق الدكتور إبراهيم أنيس المحدثين، وذهب إلى ما ذهب إليه المجددون من الباحثين الذين ينادون بإباحة القياس اللغوي للموثوق بهم من أدبائنا وشعرائنا، لا إلى جعل القياس في اللغة بأيدي الأطفال وعامة الناس كما هو الحال في كل لغة يترك أمرها لسنة التطور (12).

ومن الحقائق التي لا ينكرها أحد أن القياس له عظيم الفائدة فهو أدعى إلى الاختصار والإيجاز باعتباره يقيس الظاهرة على ظاهرة أخرى ويحكم لها بحكمها، فتأخذ الظاهرة المقيسة حكم الظاهرة المقاس عليها، ولا أبالغ إذ أقول إن القياس يساعد النحوي ويمكنه من تقرير وإثبات القواعد بل وارتجالها ارتجالاً كأنه ينتشل من بحر لا من بئر تضطرب فيه الأرشية، وقد أدرك القدماء فائدته لذلك يقول أبو علي الفارسي " أخطئ في خمسين مسألة في اللغة، ولا أخطئ في واحدة من القياس " (13) ويقول عنه ابن جنى " مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس " (14)

وأشار إلى أهمية القياس الشيخ محمد الخضر حسين، حيث يرى أن القياس طريق يسهل به القيام على اللغة بحيث يكون وسيلة تمكن الإنسان من النطق بآلاف من الكلم والجمل دون أن تقرع سمعه من قبل أو يحتاج إلى الوثوق من صحة عربيتها، إلى مطالعة كتب اللغة والدواوين الجامعة لمنثور العرب ومنظومها (15).

بداية الإتصال بالمنطق الشكلي:

كانت بداية الاتصال بالثقافة الإغريقية في عهد المنصور (ت 136هـ)، وكان هذا الاتصال ضعيفاً، فالترجمة حينذاك كانت تتسم بالفردية والترجمة غير المباشرة أما الاتصال الحقيقي بهذه الثقافة فقد بدأ بعصر المأمون (ت 198هـ)، حيث العصر الذهبي للترجمة، فسمعنا بيوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق (ت 260هـ) وغيرهما من كبار مترجمي الثقافة الإغريقية عامة، والمنطق الأرسطي بصفة خاصة.

وقد كان لهذه الترجمة، وبخاصة ترجمة الفكر الإغريقي " أخطر الآثار وأعمقها في الفكر الإسلامي، فإن المتصلين بهذه الأفكار من المترجمين وتلاميذهم أدركوا بوضوح أنهم يقفون على فكر يختلف إلى أبعد غايات الاختلاف عن العلوم المختلفة التي تفرع إليها النشاط العلمي في العالم الإسلامي في المادة والمضمون معاً، ثم في المناهج التي تعالج هذه المادة وهذا المضمون جميعاً، ... وما لبث هذا أن ميز بين اتجاهين أساسيين في القرن الثاني الهجري الاتجاه الأول يضم هؤلاء المترجمين وتلاميذهم ممن اتصلوا بالثقافات الأجنبية بعامة، وبالثقافة الإغريقية بصفة خاصة وبالمنطق اليوناني والفلسفة اليونانية على نحو أخص، والاتجاه الثاني يجمع أولئك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير