تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وإذا كانت شكلية القياس المنطقي قد أحدثت آثارها في الأقيسة النحوية، فإن ميتافيزيقية القياس المنطقي قد تركت صداها في الأقيسة النحوية أيضاً، وأهم المجالات التي تتضح فيها هذه المتيافيزيقية هي الحكم، ذلك أن الحكم النحوي لا ينبني في تصور النحاة على النصوص التي تحمله، ولا يعتمد على الظواهر التي تؤيده، وإنما يمتد عن الفكرة الذهنية للقياس النحوي المستمدة في جوهرها من الصورة الميتافيزيقية للقياس المنطقي، ومحور هذه الصورة تجريد الحكم من مقوماته المادية التي ينبني عليها، وجعله مرتبطاً ارتباطاً ذهنياً صرفاً عن طريق التلازم العقلي بالقضايا والأشكال ... ومن ثم يصح عندهم نقله من مجاله الموضوعي الذي وردت به النصوص والظواهر معاً إلى مجالات لم ترد لها نصوص ولم تشر إليها ظواهر، بل أمكن عندهم نتيجة لهذا التصور الذهني نقل الحكم إلى حيث تناقضه الظواهر والنصوص جميعاً " (37).

ثم ينتهي من هذا كله إلى نتيجتين على قدر كبير من الأهمية تَرَكَهُمَا الأخذُ بخصائص القياس المنطقي في القياس النحوي وهما: إهمال النصوص، وتناقض الأحكام.

ويرى أن ذلك كان وراء كثير من صور التعارض بين الأدلة في التراث النحوي، مما اضطر النحاة إلى ابتكار وسائل جديدة لترجيح الأحكام من ناحية، وتأييدها بالنصوص من ناحية أخرى، فكان أن استعاروا من المنهج الإسلامي ما تحدد في علم أصول الفقه من أساليب لترجيح الأدلة حين تتعارض (38).

واستمر الأمر هكذا حتى كانت مبشرات النهضة الحديثة أواخر القرن الماضي.

المفهوم الشكلي للقياس النحوي:

شهد أواخر القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابع تحولاً في مفهوم القياس، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطرد، بل بدأ يأخذ طابعاً شكليا يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما، سواء أكان هذا الحمل هو حمل المسموع على مسموع، أو مفترض على مسموع أو حكم نحوي على آخر (39). ولم يكن هذا التحول فجأة، بل إن من النحاة من أنكره ولم يسلم به، وتشبث بما درج عليه الأوائل من فهم له، ولا أدل على ذلك من الفصل الذي عقده ابن الأنباري " في شُبَه تورد على القياس " تمثلت فيما يأتي (40):

1 - لو جاز حمل الشيء على الشيء بحكم الشبه لما كان حمل أحدهما على الآخر بأولى من صاحبه، فإنه ليس حمل الاسم المبني لشبه الحرف على الحرف في البناء بأولى من حمل الحرف لشبه الاسم على الاسم في الإعراب

2 - إذا كان القياس حمل الشيء بضرب من الشبه، فما من شيء يشبه شيئاً من وجه إلا ويفارقه من وجه آخر فإذا كان وجه المشابهة يوجب الجمع، فوجه المفارقة يوجب المنع.

3 - " لو كان القياس جائزاً لكان ذلك يؤدي إلى اختلاف الأحكام لأن الفرع قد يأخذ شبهاً من أصلين مختلفين فإذا حمل على كل واحد منهما وجد التناقض في الحكم وذلك لا يجوز، فإن (أن) الخفيفة المصدرية تشبه (أنّ) المشددة من وجه، وتشبه (ما) المصدرية من وجه، و (أنّ) المشددة معمله و (ما) المصدرية غير معمله، فلو حملنا (أن) الخفيفة على (أنّ) المشددة في العمل، وعلى (ما) المصدرية في ترك العمل لأدى ذلك إلى أن يكون الحرف الواحد معملا وغير معمل في حال واحدة، وذلك محال " (41).

وهذه الاعتراضات لمنكر القياس قد أجاب عنها ابن الأبناري بما يثبت تأييده للقياس والرد على من أنكره وهى تعبير عن رفض فئة من النحاة للقياس بمفهومه الشكلي، ولقد بلغ هذا المفهوم الشكلي للقياس قمة نضجه واكتماله على يد ابن الأنباري، ثم السيوطي من بعده، فقد تحددت عندهما حدوده، وأنواعه، وأقسامه، واعتمدا في كثير مما جاءا به على ما كتبه ابن جني في الخصائص. فقال: " أعلم أن القياس في وضع اللسان بمعنى التقدير، وهو مصدر قايست الشيء بالشيء مقايسة وقياساً، أي قدرته، ومنه المقياس أي المقدار وهو في عرف العلماء عبارة عن تقدير الفرع بحكم الأصل، وقيل هو حمل فرع على أصل بعلة تقتضي إجراء حكم الأصل على الفرع، وقيل: هو ربط الأصل بالفرع بجامع، وقيل: هو اعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة" (42) " وهذه المحاولة - بما تسعى إليه من إخفاء صفة الأصالة وبما فعلته من الربط بين المدلولين: اللغوي والاصطلاحي - قد وقعت في خطأين بارزين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير