إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها
لما كان " رضيت " ضد " سخطت " عدى رضيت بعلى حملا للشىء على نقيضه، كما يجعل على نظيره، لأن التصرف في الأفعال أولى من التصرف في الحروف.
(ب) قياس شكر على كفر في التعدية بالباء: يتعدى الفعل " شكر " بنفسه وباللام وبالياء، بيد أن التعدي بالباء جاء حملا على ضده "كفر " الذي يتعدى بنفسه وبالباء فيقال: كفر نعمة الله، وكفر بها (80).
فقد حمل الفعل " شكر " على الفعل "كفر" في التعدي بالباء، حمل نقيض على نقيضه، والشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره، لأن الذهن ينتبه لهما معاً بذكر أحدهما.
(ج) حمل بعض على كل: كلمة "كل" لفظها مفرد مذكر، ومعناها بحسب ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى نكرة وجب مراعاة معناها (81). لذلك جاء الضمير مفرداً مذكراً في قوله تعالى: {وكلُّ شيءٍ فعلُوه في الزُّبُر} (82) ومفرداً مؤنثاً في قوله تعالى: {كُلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ} (83) ومجموعاً مذكراً في قوله تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (84).
أما إذا أضيفت إلى معرفة فإنه لا يلزم مراعاة المعنى، بل يجوز مراعاة لفظ "كل" في الإفراد والتذكير، فتقول: كلهم ذاهب، ومراعاة المعنى فتقول: كلهم ذاهبون. هذا وقد حمل النحاة " بعضاً " على "كل " في عدم التثنية والجمع لأنه نقيض وحكم النقيض أن يجري على نقيضه، لذلك منع تثنية بعض وجمعها. قال النحاس:" لا يثنى بعض ولا يجمع حملا على كل لأنه نقيض، وحكم النقيض أن يجري على نقيضه" (85).
• • •
نتائج البحث
بعد أن قدم الباحث تصوراً موجزاً للقياس في النحو العربي، بعامة والقياس الشكلي بخاصة يأتي لسرد أهم النتائج التي توصل إليها وهي:
1 - يعتبر القياس الشكلي تطوراً للتشبيه وما التشبيه إلا أولى مراحل القياس.
2 - تحول مفهوم القياس في أواخر القرن الثالث الهجري، وبدايات القرن الرابع الهجري، فلم يعد يعنى باطراد الظواهر واستقراء مادتها والقياس على ما شاع منها واطُّرد - وهو القياس الاستقرائي - بل بدأ يأخذ طابعاً شكلياً يعتمد على حمل فرع على أصل لعلة جامعة بينهما - وهو القياس الشكلي.
3 - لابد من التفرقة بين " القياس اللغوي" أو " قياس الأنماط" الذي يقوم به المتكلم، " وبين القياس النحوي أو" قياس الأحكام " الذي يقوم به الباحث.
4 - " القياس اللغوي " لابد منه لمسايرة التقدم الحضاري، وهو يختلف عن " القياس النحوي " الذي يتم فيه إلحاق حكم شيء بآخر لعلة جامعة بينهما.
5 - في " القياس النحوي " يجب ألا تتم عملية إلحاق الظواهر لمجرد المشابهة الشكلية بل تقوم على استقراء الظواهر في نصوصها اللغوية، ثم تتم عملية الإلحاق عند وجود علة الأصل في الفرع.
6 - نشأت فكرة القياس نشأة إسلامية عربية خالصة، ثم تأثرت بعد ذلك بالأفكار الفلسفية والمنطقية.
7 - أنه يجب إدراج النتاج الثقافي للعلماء ذوي السليقة السليمة في عصرنا الحاضر وما قبله من عصور، أمثال: أبي تمام والمتنبي والمعري وشوقي والمنفلوطي .. وأمثالهم، يجب إدراجها تحت " المقيس عليه " الذي يصح لنا أن نحاكيه.
8 - للقياس الشكلي أهمية كبرى أثبتها الواقع اللغوي باعتباره معياراً من معايير القبول والرفض والحكم على الظاهرة بالصواب أو الخطأ.
9 - للقياس الشكلي أهمية كبرى لأن المتكلم لن يسمع كل ما يقوله العرب وإنما يسمع أمثلة ويقيس على شاكلتها. وهذا سوف يؤدي إلى توسيع اللغة والنحو، ويجعل اللغة وسيلة للنطق بآلاف الكلم. دون أن تقرع السمع أو يحتاج إلى التثبت من صحة عربيتها.
10 - القياس الشكلي هو بمثابة شهادة ضمان للغة العربية، وهو الدرع الواقي لقواعدها من اللحن والتحريف والزيغ بل أغلق الباب أمام عبث العابثين ولغو اللاغين.
11 - يعتبر القياس الشكلي بالغ الأهمية لمسايرة التطورات والحاجة الملحة إلى ألفاظ جديدة كتسمية بعض المخترعات، وإلحاق الصيغ بغيرها في العمل والدلالة وحمل بعضها على بعض في الحكم النحوي.
الحواشي والتعليقات
(1) لمع الأدلة - تحقيق سعيد الأفغاني 93
(2) طبقات الشعراء، المقدمة
(3) من أسرار اللغة، أنيس، 9
(4) اللغة بين المعياريّه والوصفيّة 31 وما بعدها.
(5) الخصائص 1/ 357، 2/ 25
(6) الاقتراح 71
(7) انظر: الاقتراح 70، ولمع الأدلة 93، وفي أصول النحو 68 و 69
¥