كأنه يلفت الانتباه إلى أنه أقوى من غيره من الرجال الذين لا يستطيعون حماية نسائهم وأنهم مهددون بالموت، ونساؤهم مهددات بالسبي، فهو يستطيع أن يقتل غيره من الرجال، وقد ذكره بلفظ ((وحليل غانية)) ولكن غيره لا يبلغ شجاعته ولا ينال منه فهو قادر ببطولته على حماية حليلته وعرضه.
ودعاؤه ابنة عمه مالك للسؤال عن أفعاله المجيدة وشجاعته الخارقة، وبطولته في المعركة إشارة واضحة إلى بطولته فيقول:
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم (2)
ويلاحظ عند عنترة في عرض فكرة البطولة تصميم على تأكيد هذه الفكرة في النفس فهو لا يكتفي بإبراز بطولته في المعركة، ولكنه يلاحقها حتى النهاية حتى تبرز فكرة البطولة الكاملة، فهو يصف لنا نهاية الأبطال الذين لاقاهم وتركهم جزراً للسباع والطيور، فهو قاتل الأبطال وقامع المدججين وقد تعددت هذه الظاهرة عنده أكثر من مرة، ففي توعده لابني ضمضم يقول (الكامل)
إن يفعلا فلقد تركت أباهما جزر السباع وكل نسر قشعم (3)
وفي تذكيره أهله بأياديه البيضاء عليهم يؤكد هذا المعنى فيقول: (البسيط)
قد أطعن الطعنة النجلاء عن عرض تصفر كف أخيها وهو منزوف (4)
ولعل أجمل ما في بيان هذه الفكرة وتصوير النهاية الحتمية لخصومه تلك الصورة التي عرضها عن أبطال ضبة فيقول: (الطويل)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) ديوان عنترة ص 24، عنترة بن شداد محمد الصباح ص 159، شرح المعلقات السبع الزوزني ص 171، شرح القصلئد العشر التبريزي ص 292، البيان والتبين 1/ 80.
(2) المراجع السابقة.
(3) المراجع السابقة.
(4) عنترة بن شداد محمد الصباح ص 52، الأغاني 6/ 245.
وعمرا ً وحياناً تركنا بقفرة تعودهما فيها الضباع الكوالح
يجرّرن هاماً فلّقتها سيوفنا تزيّل منها اللحى والمسائح (1)
وإذا كانت المعارك عند عنترة تنتهي بموت الخصم فإن عنترة لم يعدم يوماً أن فكر في نهايته ولم يعدم غيره أن فكر في نهايته، فقد وصل إلى حل واضح ((لآبد أن أسقى بكأس المنهل)) فهو لا ريب مقتول لأن المنطق الواقع والبطولة والفروسية يقتضي ذلك، فالبطل ابن المعارك وصديق الأهوال و من كانت عرضاً للمخاطر لا بد أن تناله في يوم من الأيام، وليس ذلك بعيب أو نقيصة ((إني امرؤ سأموت إن لم أقتل)).
وقد استغل عنترة هذه الفكرة ليعرض فيها صورة أخرى من صور البطولة عنده وهي عدم الخوف من الموت وتصميمه على دخول المعارك وتمثيله بالموت تأكيداً لشجاعته وقوته فيقول: (الكامل)
أصبحت عن غرض الحتوف بعزل بكرت تخوفني الحتوف كأنني
لا بد أن أسقى بكأس المنهل فأجبتها إن المنية منهل
أني امرؤ سأموت إن لم أقتل فاقني حياءك لا أبا لك واعلمي
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل (2) إنّ المنية لو تمثّل مثّلت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(1) ديوان عنترة ص 39.
(2) المرجع السابق ص 58
الفصل الثاني: وصف المعارك
لقد اعتنى عنترة بتصوير المعارك لأنها تشكل الجو النفسي والمكاني للمعركة، فالبطولات الفردية ترتبط ارتباطا ذاتياً بصاحبها، ويمكن أن تتطرق إليها المبالغة، أما البطولات أمام الجيوش والأقران فتلك بنت الواقع وشاهدها الحال وحديثها ذائع الصيت طائر الشهرة ينتقل مع الناس في تنقلهم ويصبح حديث سمرهم.
وقد عرض عنترة صورة قتل الفارس المدجج مرتبطة بتصور ذهني لمعركة كانت قائمة وبتصوير واقعي، وذلك في عرضه لبطل آخر قضى عليه فيقول في معلقته:
بطل كأن ثيابه في سرحة يحذي نعال السبت ليس بتوأم
لما رآني قد قصدت أريده أبدى نواجذه لغير تبسم
فطعنته بالرمح ثم علوته بمهند صافي الحديدة مخذم
عهدي به شد النهار كأنما خضب اللبان ورأسه بالعظلم
وتركه ملقى مخضب الرأس والصدر بالدماء، وجعل من مقتل الفارس صوراً للبطولة تبرز في المعركة، ولكنه لم يكتف بذلك بل انتقل بعد قليل ليصور لنا المعركة تصويراً رائعاً ثم يربط بين عظمة هذه المعركة ونفسه ربطاً موفقاً.
¥