فالمعركة قد احتدمت والأبطال قد كلحت وجوههم واكتفوا بالغمغمة عن الشكوى، وراحوا يبحثون عن ملجأ يقيهم أوار الحرب، ويدرؤن عن أنفسهم وقع السيوف وطعن الرماح، فلم يجدوا أمامهم سوى عنترة البطل الذي انتخى للحرب من غير أن يحميه إنسان واستجاب لدعاء المستغيثين به فألقى بنفسه وفرسه في مشتجر الرماح حتى اشتكى فرسه من كثرة الجراحات التي أصيب بها ولم يزل في المعركة حتى أبلى فيها بلاء حسناً فيقول في معلقته:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى إذ تقلص الشفتان عن وضع الفم
في حومة الموت التي لا تشتكي غمراتها الأبطال غير تغمم
لما رأيت القوم أقبل جمعهم يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنترة والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
لو يدري ما المحاورة اشتكى أو كان يدري ما الكلام مكلمي
وإننا نلاحظ الربط المتكرر بين بطولة عنترة ووصف المعارك في أكثر من قصيدة فالمعارك شديدة وحامية الوطيس وفارسها عنترة فيقول: (الكامل)
فلرب أبلج بعلك بادنٍ ضخم على ظهر الجواد مهيّل
غادرته متعفراً أوصاله والقوم مجرّح ومجدّل
ولقد لقيت الموت يوم لقيته متسربلاً والسيف لم يتسربل
فرأيتنا ما بيننا من حاجز إلا المجن ونصل أبيض مقصل (1)
ولقد يرد في وصف عنترة للمعارك أمر مهم وهو الفخر بالأصحاب في المعركة فعنترة يتخذ أقراناً يهرعون عند الفزع ويكثرون عند الملمات وهؤلاء الأقران يعتبرون عناصر متممة لصورة البطل الذي يتخذ الشجعان حوله فكأنه الرئيس وهم الرعية منه يتعلمون، ومنه ينهلون، ويهدفون لما يقصد إليه، وهم موضع ثقة عند عنترة،وهو بوصفه لهم بالصفات الحميدة إنما يخص نفسه بكل الصفات بصورة غير مباشرة لأنهم أصحابه وأقرانه فهو يقول: (الكامل)
وفوارسٍ لي قد علمتهم صبرٍ على التكرار والكلم
يمشون والماذي فوقهم يتوقدون توقّد الفحم
كم من فتى فيهم أخي ثقةٍ حر ٍأغرّ كغرّة الرئم
ليسوا كأقوام ٍ علمتم سود الوجوه كمعدن البرم (2)
ومن الأمور التي أ راد أن يستكملها في وصف المعركة صورة التحدي أي يقف في وجه الأبطال موقف المهدد المتوعد، وعنترة ضليع في هذا الباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) ديوان عنترة ص 60، عنترة بن شداد محمد الصباح ص 80
(2) ديوان عنترة ص 63.
فمن المعروف أن البطل عرضة لإظهار بطولاته والتفاخر بهذه البطولات وقد لا يرضي عمله هذا بعض الناس بالإضافة إلى أن المعارك التي يخوضها تفرض عليه مواقف يكون فيها عرضة لتحدي الآخرين وتحدى عنترة عمارة بن زياد في قصيدة يقول في مطلعها: (الوافر)
أحولي تنفض استك مذرويها لتقتلني فها أنذا عمارا
متى ما تلقني فردين ترجف زواتف إليتك وتستطارا (1)
وكانت له مواقف عديدة في التوعد كتوعده لبني عميرة من فزارة، وتوعده لعمرو بن جابر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عنترة بن شداد ص 128
الفصل الثالث: الأسلحة
الفارس البطل هو الذي يعنى بالسلاح وآلة الحرب والجبان الضعيف لا يفكر فيها ولا يحاول اقتناءها وماذا يصنع بها؟ إذا ً الخيل والرماح والسيوف والدروع هي عدة البطولة التي تعتبر عنصرا ً من عناصر البطولة عند عنترة.
ومن الملاحظ أن عنترة لا يكاد يصف آلة الحرب حتى يربط بين هذه الآلة وبين نفسه ويسهب في الوصف أو يجد سرورا ً وسعادة في ذلك.
فهو إما أن يرى في ذلك تمام البطولة.
أو الوفاء لهذه الآلة التي تلبي طلبه.
فهذه الأمور مجتمعة تعتبر عوامل نجاحه وبقاء حياته، وبروز بطولاته وخلاصه من أعدائه ومعرفته بها مع حسن استعماله إياها واستخدامه لها جانب من جوانب البطولة والشجاعة وهي سبيل الظفر، يدعوها فتجيبه ويطلبها فيجدها رهن طلبه.
لقد استعار منه الجعد بن أبان رمحه فأمسكه ولم يرده إليه فتأثر عنترة من ذلك وعاتب الجعد عتاباً شديداً فيقول: (الوافر)
إذا لاقيت جمع بني أبان فإني لائم للجعد لاح
ألم تعلم لحاك الله أني أجم إذا لقيت ذوي الرّماح
كسوت الجعد جعد بني أبان سلاحي بعد عري وافتضاح (1)
وعنترة عندما يتكلم عن آلة الحرب لا يخص نوعاً دون نوع فالتقدير للسيف والاحترام للرمح والمحبة للفرس والذكر للترس.
فنلاحظ أته قرن السيف بالرمح عندما يقول في معلقته:
¥