واستقامت مباحثه، وعلى هذا المعنى دون ما عداه يصح قولهم: إن واضع هذا العلم هو معاذ الهراء.
فلا يصح إذن قولهم إن واضع علم الصرف هو معاذ بن مسلم أبدا، إنما الذي يقبل أنه هو أول من أشاع باب التمارين وأكثر منها، ولا أظن أنه يصح أن نقول بأنه هو أول من أفرد الصرف بالتأليف، فإن معاذا لا يعلم له كتاب في هذا الفن بل لا يذكر عنه من القواعد الصرفية قاعدة واحدة فيما أحسب، ولم يذكر أحد عنه شيئا من هذا القبيل أو ذاك، بل إن أول من أفرد علم الصرف بالتأليف هو المازني في كتاب أسماه التصريف.
فواضع علم الصرف إذن هو عينه واضع علم النحو وهو أبو الأسود الدؤلي وليس الهراء لما يلي:
1 ــ أن الرواية المذكورة في شأن النحو بين أبي الأسود وعلي رضي الله عنه ذكر فيها مبحث الإمالة وهذا من مباحث علم الصرف. والله أعلم بصحة هذه الرواية، لكنه أمر انتشر وذاع بين أهل النحو والعربية.
2 ــ أن الكتاب لسيبويه مليء بالمسائل الصرفية، وليس ممن أخذ علم الصرف عن الهراء بل أخذه من غيره.
3 ــ أن النحو والصرف عند المتقدمين قرينان لا ينفصلان عن بعضهما أبدا، بل كانا قديما علما واحدا، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، وأول من أفرده بالتأليف هو المازني، فدل ذلك على أن واضع علم الصرف هو عينه واضع علم النحو. والله أعلم
لطيفة: قال السيوطي:
وأما التصريف فقد ذكر شيخنا العلامة محيي الكافيجي رحمه الله في أول كتابه شرح القواعد أن أول من وضعه معاذ بن جبل رضي الله عنه ولم تطمئن النفس إلى ذلك وسألته عنه لما قرأته عليه وما مستنده في ذلك فلم يجبني بشيء ولم اقف على سند لشيخنا في ذلك. ثم بين أنه ربما خلط بين المعاذين.
ويستفاد من القصة فائدتان:
1 ــ عدم متابعة الشيخ في أخطائه، والتأدب معه في ردها والاعتذار له، وذا صنيع السيوطي وأهل العلم.
2 ــ أن الشيخ مهما علا قدره وغزر علمه فليس بمعصوم، ولكل عالم هفوة، ولا يعذره إلا من عرف قدر نفسه.
اسمه: الصرف ويسمى بالتصريف أيضا.
وليعلم أن الصرف والتصريف لفظان مترادفان عند المتأخرين فهما بمعنى واحد سبق ذكره في أول حلقة.
أما عند المتقدمين فالصرف هو العلم المعروف الذي سبق بيانه وشرح حده، وأما التصريف فهو جزء من الصرف وهو أن تبني من الكلمة بناء لم تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل في البناء الذي بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم. وهو ما يسمى بباب التمارين يعقده الصرفيون في آخر أبواب الصرف ليتمرن الطالب ويتعود على ما تعلمه من قواعد الصرف.
فسفرجل كلمة سمعت عن العرب فيقول لك الصرفي: كيف تبني من ضرب مثل سفرجل؟ فتقول: ضربرب، مع أن ضربرب لم تنطق بها العرب. والغرض من هذا كله التمرين والتعويد.
إذا بان هذا واتضح فإن التصريف عند المتقدمين جزء من الصرف. وعند المتأخرين عين الصرف.
أما استمداده: فمن كلام العرب.
وأما حكم الشارع: فهو فرض كفاية شأنه شأن سائر علوم اللغة التي يتوقف فهم الكتاب والسنة عليها، وأما لمن أراد الاجتهاد والاستقلال بالنظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو فرض عين، وقد سبقت النقول في ذلك.
مسائله: القواعد التي يتعرف من خلالها أحكام المفردات العربية كقولنا: إذا تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا. وغير ذلك.
يبقى التنبيه على أمور ترد في وقت قريب إن شاء الله.