تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عقيدة البعث واليوم الآخر، يوم القيامة هي من الركائز الهامة في العقيدة الإسلامية، بل هي من أهم مرتكزاتها، وهي من المعلوم من الدين بالضرورة، وإنكار عقيدة البعث واليوم الآخر يخرج منكره من الملة، ولا يخفى كم الآثار التي تتركها هذه العقيدة في نفس المؤمن بها، فالإيمان بلسم للنفس والعقل، ومن خلالها نعرف فناء هذه الدنيا، وأنها قنطرة لإيصالنا إلى عالم آخر، من خلاله يتحقق العدل من الواحد الديان، مع إدراكنا الكامل لأهمية صلاح الدنيا لصلاح الآخرة، حيث ورد في الحديث: "إذا قامت الساعة وكان في يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، نعم فليغرسها، هذه هي رسالة الإسلام في هذه الحياة: الموازنة بين الدنيا والآخرة، ومن أهم مقومات التوازن، حيث وردت عدة أحاديث تؤكد على أن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه ينبغي على المؤمنين إقامة دين الله في الأرض حتى تصلح الدنيا ومن ثم الآخرة، ولكن للأسف نحن في عصر طغت فيه الدنيا على الآخرة، والمادة على الروح فاختل التوازن، وأصبحنا نبعد شيئاً فشيئاً عن البلاغ القرآني والهدي النبوي، لذا قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر الموت"، وفي رواية: "أكثروا من ذكر هادم اللذات". (13)

وقد كان هادم اللذات وراء كثير من ظهور الفلسفات بمختلف مشاربها، من مصرية قديمة، وبابلية، وأشورية، وسومرية، وإغريقية، وهلينيستية ... الخ، هذا المباغت والمفاجئ لبني البشر، جعلهم يوقنون أن هذه الحياة فانية، وأنه النهاية المحتومة.

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوماً على آلة حدباء محمول

وقول (الخيام):

فقد تساوى في الثرى راحلٌ

غداً وماضٍ من ألوف السنين

ويماثله المعري بقوله:

خفف الوطء ما أظن أديم

الأرض إلا من هذه الأجساد

لذلك من البديهيات التي يعرفها دارسو الحضارات أن عقائد ما بعد الموت وما نتج عنها من آراء وأفكار دينية كانت من أهم العوامل المؤثرة التي طبعت المجتمعات القديمة بل حتى الحديثة في سلوكها في الحياة على الصعيد الاجتماعي والفردي، وعلماء الآثار دللوا على ذلك باكتشافاتهم وما وجدوه من بقايا الحضارات القديمة التي لا يمكن تفسيرها وفهمها على الوجه الصحيح إلاّ في ضوء تلك المعتقدات، حتى أن بعض الحضارات العريقة مثل: (حضارة وادي النيل)، لا يمكن فهم آثارها مطلقاً إلاّ بالرجوع إلى عقائدها فيما بعد الموت؛ لأنها طغت على سائر معتقداتها الأخرى، ووجهتها في جميع نواحي نشاطها الفني والاجتماعي (14)

ولا يخفى علينا في هذا المجال أن نذكر حقيقة مهمة، هي أن عقيدة اليوم الآخر مهملة في الكتاب المقدس (التوراة) أو ما يسمى بـ (العهد القديم)، وقد لاحظ ذلك الدكتور حسين آتاي في بحثه القيم بهذا الصدد، حيث أن الاعتقاد باليوم الآخر غير موجود في التوارة، يقول الدكتور حسين آتاي: " ... وقد كنت تطرقت في بحثي عن أسس الإيمان في القرآن الكريم الذي قدمته كرسالة لنيل درجة الدكتوراة عام 1960م، إلى أن عقيدة اليهود والخاصة بالآخرة مبهمة وغير واضحة" (15)، لذلك نجد أثر هذا الاعتقاد واضحاً في العقيدة اليهودية، ومن ثم السلوك الذي لا يجهله أحد من حيث الغش والمكر والخداع والكذب والشح والبخل والجبن، وأكل السحت والربا، كل هذه المسلكيات أثرت تأثيراً واضحاً على سلوك اليهود عبر التاريخ، وذلك من خلال علاقاتهم مع الشعوب التي كانوا يعيشون بينها، وما قصة (تاجر البندقية) لوليم شكسبير إلاّ تجسيداً لتلك الصفات المغروسة فيهم.

وأراني قد استطردت، فأعود للقول أننا بحاجة ماسة في هذا العصر الذي اهتزت فيه المبادئ والقيم الأخلاقية في نفوسنا بسبب عدم صحة اعتقادنا أحياناً، وتغافلنا أحياناً أخرى عن عقيدة اليوم الآخر التي هي كما أسلفت، من مرتكزات الإيمان لديننا، ومن هنا كانت الضرورة لإلقاء

الضوء على هذا المخطوط النادر في هذا الموضوع ألا وهو (البحور الزاخرة في علوم الآخرة) للعلامة المحدث: محمد بن محمد بن أحمد بن سالم السفاريني –رحمه الله-.

وصف المخطوط:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير