تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قبل نحو 8 أو 10 سنوات، لاحظتُ أن هناك فجوة تاريخية كبيرة غامضة تفصل ما بين أواخر دولة المماليك وبداية الدولة العثمانية، في بلاد الشام ومصر. ففي العصر المملوكي مؤرخون يُعدّون بالمئات، وكلهم كانوا من كبار العلماء الموسوعيين، كالمقريزي وابن حجر والذهبي والسخاوي والصفدي وابن كثير وابن تيمية والنويري والسيوطي، فكيف يكون العصر المملوكي المتّهم من قبل المستشرقين ومن قبل أعداء الإسلام أنه عصر تخلف وانحطاط وجهل؟ في حين أنني وجدته من خلال مطالعاتي من أغنى العصور لما حواه من أعلام متخصصين في كل الفنون الشرعية والطبيعية.

ولكن قبل سقوط دولة المماليك بنحو 25 عاما توقف الإنتاج فجأة، ووجدت أن كل من يريد أن يكتب عن نهاية دولة المماليك وبداية العهد العثماني لابد أن يعود إلى كتابين رئيسيين: الأول هو (مفاكهة الخلان وحوادث الزمان) لابن طولون الدمشقي فيما يتعلق بتاريخ بلاد الشام، ومن يريد أن يكتب عن مصر في تلك الفترة يرجع إلى كتاب (بدائع الزهور في وقائع الدهور) لابن إياس، ومن المعروف أن ابن إياس لم يغادر مصر مطلقا سوى عند ذهابه إلى حمص، فكيف يستفيد الباحث من كتاباته عن الشام؟ وكذا ابن طولون بالنسبة لمصر. فكل واحد منهما كتب عن القطر الذي يعيش فيه. وكان هذا دافعا للبحث عن مصادر تسد هذه الفجوة، فذهبتُ إلى اسطنبول وزرتُ المكتبات هناك، وعثرت على عدة مخطوطات تفي بالغرض، فأتيت بتاريخ ابن الجزري المعروف بـ (تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الشيوخ والأكابر من أبنائه)، وكانت النسخة في بعض أوراقها ممسوحة من كثرة استعمال الورق والرطوبة، فاضطررت للجلوس بمكتبة كوبريللي وكتبت الناقص بكلمات الرصاص، وحققت الكتاب ونشرته في ثلاثة أجزاء.

ولم أكتف بهذا حتى عثرت على كتاب (حوادث الزمان ووفيات الشيوخ والأقران) لابن الحمصي، ومن الطريف أن مؤلفه من الشام، ووُجد الجزء الأول من كتابه في اسطنبول والثاني في متحف لندن ببريطانيا والثالث في جامعة أسيوط بصعيد مصر، فجمعتُ الأجزاء الثلاثة وقمت بوضع دراسة مطوّلة له في المقدمة ونال إطراءً كبيرا من الباحثين الذين التقيت بهم، والحمد لله على التوفيق.

ولمّا كنتُ أتردد على دار الكتب المصرية قبل ذلك، وقفتُ على مخطوط صغير مُذهّب في صفحته الأولى، وهي نسخة خزائنية كُتبت للسلطان قايتباي في أواخر العصر المملوكي، وموضوعه: رحلة السلطان قايت باي من القاهرة إلى شمال بلاد الشام، حيث بدأت الأطماع العثمانية تتشوف إلى بلاد الشام، فسافر ليتفقد التحصينات الدفاعية والأبراج والجند ومدى إمكانية مواجهة المد العثماني، فاستغرقت رحلته أكثر من 4 أشهر، وكانت جرأة أن يترك السلطان مصر أكثر من 4 أشهر دون تخوّف من حدوث انقلاب عليه. والكتاب اسمه (القول المستظرف في سفر السلطان الملك الأشرف)، وأضفتُ تحت العنوان عبارة: (رحلة قايتباي إلى بلاد الشام) لأن القارئ لا يستشف من العنوان الأصلي المراد من الكتاب.

[3 ملايين مخطوط معروف وأكثر من هذا العدد لا يزال حبيس الخزانات الخاصة]

الحديث عن النشر والتحقيق يقودنا إلى الحديث عن العبث الواقع اليوم بكتب التراث من طرف بعض من يُسمّون بالمحققين والناشرين، في زمن شهد فيه عالم النشر انفجارا هائلا من حيث التراث المنشور، فما رأيكم؟

من خلال مطالعاتي وتحقيقاتي، وقفتُ على كثير من الأعمال التي تشوّه كتبنا التراثية وأعمال المؤلفين العظام الذين تركوا إرثا ضخما وهائلا، والمخطوطات المعروفة في المكتبات المعروفة تبلغ نحو 3 ملايين مخطوط، وأستطيع أن أجزم أن هذا الرقم يوجد مثيله وربما أكثر منه في البيوتات الخاصة والمكتبات مما لا يعرفه المُفهرسون والمُشرفون على المكتبات ودور العلم والمؤسسات التعليمية والثقافية المهتمة بهذا الأمر.

ودخل على عالم التحقيق طفيليون ومدّعون للسمعة والشهرة لتظهر أسماؤهم على الكتاب مقرونة بكلمة "تحقيق" في حين أنه لا علاقة لعملهم بالتحقيق؛ فالبعض يكتفي بتخريج الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية، والبعض الآخر يأتي بكتاب مطبوع فينسخه ويطبعه من جديد ولا يعتمد على الأصول المخطوطة، وبعضهم إذا حصل على مخطوط لا يأتي بنسخة أخرى أو ثالثة حتى يقابل ويرى هل هناك خطأ أو نقص، وإنما همهم في ذلك الاستفادة المادية وفقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير