تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وحتى دور النشر ـ للأسف ـ معظمهم غير مثقفين ولا يهتمون بالناحية العلمية وهمهم أن يروج الكتاب، ولهذا يدفعون لهؤلاء الطفيليين ثمنا لا يليق بمحققين مرموقين مقابل أن تظهر أسماؤهم على الكتب، فيستفيد الطرفان من هذه الصفقة.

[حتى الكبار يُخطئون .. والتحقيقُ مَلَكةٌ]

وحتى دورُ النشر المحترَمَة تُخطئ في بعض الأحيان، وكثيرٌ من الباحثين والمؤرخين المعروفين يخطئون.

فمثلا وردَ في قائمة مراجع ومصادر بعض الباحثين ما يلي: "كتاب في التاريخ لمؤلف مجهول" نسخته موجودة في مكتبة المتحف البريطاني. ووجدت هذا التعريف في عدة كتب لمؤلفين ومحققين مشهورين ومحترمين، فحصلتُ على نسخة من هذا الكتاب وقرأته مرة أولى وثانية وثالثة، فإذا بي أتعرف على المؤلف وعلى عنوان الكتاب بنص الكتاب، ووجدت أن هذا الكتاب قد طبع مرتين: مرة في مصر ومرة في السعودية، غير أني وجدتُ النسخة المخطوطة تزيد عن المطبوعتين بثماني سنوات، والكتاب هو لابن دقماق، واسمه: (النفحة المسكية في الدولة التركية)، كما ذكر ذلك ابن إياس، ومن الغرائب أنني قدمت إلى الجزائر مشاركا في ملتقى الجمعية الخلدونية بمنطقة بسكرة حول شخصية عُقبة بن نافع ـ رضي الله عنه ـ بسببه.

وهناك أيضا عدة مؤلفات حققتها وكشفت فيها عدة أخطاء سبق وأن نشرها بعض الزملاء من المؤلفين والمحققين.

[ديوان ابن منير الطرابلسي .. ورحلة بحث فاقت 30 سنة!]

قُمتُ كذلك بجمع أشعار الشاعر ابن منير الطرابلسي من عشرات المصادر الأدبية والتاريخية ـ وديوانه مفقود للأسف ـ وفتشت عنه كثيرا ولم أجده. وأصدرت المجموع في كتاب.

ومنذ نحو أربع سنوات أقيم في طرابلس حفل تكريم لي، وشارك في هذا التكريم جلة من العلماء بمن فيهم رئيس منظمة المؤتمر الإسلامي صديقي د. أكمل الدين حسين أوغلو ود. محمد عدنان البخيت من الأردن ود. أيمن فؤاد السيد، وشارك في التكريم د. نيقولا زيادة ـ وهو مسيحي ـ وتوفي أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، ويُطلق عليه لقب شيخ المؤرخين، حيث عُمِّر 99 سنة، إلى جانب وزير سابق هو الأستاذ عمر مسقاوي، وهو نائب مفتي الجمهورية حاليا.

فجاءني الدكتور البخيت بمجموعة كتب كهدية، ومن بينها جزء من فهرس مركز الوثائق والمخطوطات في الجامعة الأردنية. وبعد 3 أيام تفرغت وأخذت الفهرس وتصفحته فوجدت فيه إشارة إلى وجود نسخة من ديوان ابن منير الطرابلسي، فم أنم ليلتها وبقيت أتساءل: هل يُعقل أن أجد الديوان وقد بحثتُ عنه منذ 30 سنة ولم أظفر به؟ وهاتفت د. عدنان وطلبت منه نسخة من المخطوط فوصلني بعد أسبوع، وكدت أطير فرحا حينها، ولا أبالغ إذا قلت إنني أمضيت 3 أيام لم أنم في مجموعها سوى 5 ساعات من شدة الفرح وأنا أقرأ وأقلّب الأوراق والصفحات والقصائد لأتأكد إن كانت القصائد له أم لغيره.

ولكنني وجدت أن كثيرا من القصائد لم تكن له، فقرأت المجموع خلال الأيام الثلاثة سبع مرات، واكتشفتُ أنه مُلفَّقٌ، ويبدو أن النسخة المخطوطة وقعت من أحدهم فتناثرت، ولمَّا جمعها تداخلت القصائد واختلطت بقصائد شاعر آخر. ولكن من هو؟

وعثرت في إحدى القصائد على خيط قادني إلى اكتشاف صاحبها. حيث أن الشاعر مدح أحد الخلفاء الفاطميين في مصر، فراجعتُ كتاب (النكت العصرية في التحفة الأزهرية) لعُمارة اليمني الشاعر، وطابقتُ هذه القصائد مع قصائد المجموع فوجدتها له، وقُسّم الكتاب بعدها إلى نصفين: واحد لابن منير والثاني لعُمارة، وحتى المفهرسين في مكتبة الأمبروزيانا في ميلانو نسبوه كاملا إلى ابن مُنير. وهذا من ضمن أخطائهم.

ولكنني وقفتُ في المجموع على قصائد جديدة لم أطلع عليها من قبل، فنشرتُ جميع ما وقعت عليه من شعر ابن مُنير.

[فرقُ ما بين المحقق والطفيليّ: العلاقة الحميميّة بالكتاب]

وهذا يدفعنا للحديث عن العلاقة الحميمة بين المحقق والكتاب الذي يعمل فيه، فهو يأخذ جُلّ تفكيره واهتمامه، ولعل هذا هو ما يُميّز بين المحققين المقتدرين والمتطفلين على التحقيق؟

هذا صحيح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير