فقال رجل يا رسول الله؛ ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إن الله تبارك وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار».
وهذا الحديث إنما رواه أهل السنن والمسانيد كأبي داود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن وقد قيل إن إسناده منقطع وأن راويه مجهول ومع هذا فقد رواه مالكٌ في الموطإ مع أنه أبلغ من غيره؛ لقوله (ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية) ومن العجب أن الآجري يروي في كتاب الشريعة له من طريق مالك والثوري والليث وغيرهم.
فلو تأمّل أبو المعالي وذووه الكتاب الذي أنكروه لوجدوا فيه ما يخصمهم ولكن أبو المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم وعلو قدره في فنه كان قليل المعرفة بالآثار النبوية ولعله لم يطالع الموطأ بحال حتى يعلم ما فيه فإنه لم يكن له بالصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي والترمذي أمثال هذه السنن علم أصلاً؛ فكيف بالموطإ ونحوه.
وكان مع حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه إنما عمدته سنن أبي الحسن الدارقطني، وأبو الحسن مع تمام إمامته في الحديث فإنه إنما صنّف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه ويجمع طرقها فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله فأما الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما فكان يستغني عنها في ذلك، فلهذا كان مجرد الاكتفاء بكتابه في هذا الحديث يورث جهلاً عظيمًا بأصول الإسلام واعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره نهاية المطلب في دراية المذهب ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا حديث واحد في البسملة وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره
ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام اتفق أصحاب الشافعي على أنه ليس لهم وجه في مذهب الشافعي فإذا لم يسوغ أصحابه أن يعتد بخلافهم في مسألة من فروع الفقه كيف يكون حالهم في غير هذا.
وإذا اتفق أصحابه على أن لا يجوز أن يتخذ إماما في مسألة واحدة من مسائل الفروع فكيف يتخذ إماما في أصول الدين مع العلم بأنه إنما نبل قدره عند الخاصة والعامة بتبحره في مذهب الشافعي رضي الله عنه لأن مذهب الشافعي مؤسس على الكتاب والسنة وهذا الذي ارتفع به عند المسلمين غايته فيه أنه يوجد منه نقل جمعه أو بحث تفطن له فلا يجعل إماما فيه كالأئمة الذين لهم وجوه فكيف بالكلام الذي نص الشافعي وسائر الأئمة على أنه ليس بعد الشرك بالله ذنب أعظم منه وقد بينا أن ما جعله أصل دينه في الإرشاد والشامل وغيرهما هو بعينه من الكلام الذي نصت عليه الأئمة ولهذا روى عنه ابن طاهر أنه قال وقت الموت لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يدركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني وها أنا أموت على عقيدة أمي أو عقائد عجائز نيسابور وقال أبو عبد الله بن العباس الرستمي حكى لنا الإمام أبو الفتح محمد بن علي الطبري الفقيه قال دخلنا على الإمام أبي المعالي الجويني نعوده في مرضه الذي مات فيه بنيسابور فأقعد فقال لنا اشهدوا على أني رجعت عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف الصالح عليهم السلام وإني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور وعامة المتأخرين من أهل الكلام سلكوا خلفه من تلامذته وتلامذة تلامذته وتلامذة تلامذة تلامذته ومن بعدهم ولقلة علمه بالكتاب والسنة وكلام سلف الأمة يظن أن أكثر الحوادث ليست في الكتاب والسنة والإجماع ما يدل عليها وإنما يعلم حكمها بالقياس كما يذكر ذلك في كتبه ... » أهـ ما أردتُ نقله، وهو في دقائق التفسير (2/ 168).
أسأل الله العظيم أن يتقبّل عبدَه أبا المعالي في التائبين، كما أسأله أن يوفقني وإخواني إلى ما فيه رضاه .. آمين آمين ..
وهذه آخر مشاركة لي في الموضوع إن شاء الله.
ـ[أبو فراس فؤاد]ــــــــ[30 - 03 - 07, 07:26 م]ـ
أولا: اعتذر للشيخ الأزهري السلفي على إساءة فهم كلامه أن الجويني لا دراية له في الأصول.
ثانيا: أشكرك على هذا النقل النفيس عن ابن تيمية بقي أن يقال: إن ابن تيمية إنما قال: كتاب أبي المعالي الذي هو نخبة عمره نهاية المطلب في دراية المذهب ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا حديث واحد في البسملة وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره
فنفي ابن تيمية مسلط على العزو أي أن أبا المعالي لم يعز لصحيح البخاري إلا في موضع واحد وكان هذا العزو خطأ، لا أن مراده أن كتابه خلى من أحاديث البخاري، فهذا تصوره من أصعب ما يكون.
وأخيرا أشكرك أخي الأزهري السلفي، على هذه المدارسة النافعة التي أسأل الله أن يجعلها ذخرا عنده، نتذاكرها يوم نلقاه.
ـ[الأزهري السلفي]ــــــــ[20 - 05 - 07, 05:14 م]ـ
الحمد لله وحده ...
بارك الله فيكم.
هل من خبر جديد؟؟
¥