2 - دُعينا إلى أن نبحث عن تاريخ القسم وحاجة الناس إليه قديماً وحديثاً وطرقه المتنوعة، ونبين معاني كلمات القسم ومفهومه الأصلي ومفاهيمه المتشعبة الثلاثة من الإكرام والتقديس والاستدلال المجرد عن التعظيم.
3 - وذلك لأن القسم ليس إلا التأكيد، ولا تحتاج إلى تقدير المقسم به في كل موضع. وعلى هذا الأصل كل ما ترى في القرآن من لام اليمين، وإذا جاءت قبلها كلمة تدل على اليقين والجزم كانت مشابهة بكلمة القسم.
4 - فكل ما ذكرنا من طريق اليمين والحلف وتعبيراته يدلك على أن المقسم به ليس من لوازم القسم حتى تقدره كلما لم يذكر، إنما أرادوا بالقسم تأكيداً محضاً للقول أو إظهار عزم وصريمة ألزموا به على أنفسهم فعلاً أو ترك فعل.
5 - فأما معنى تعظيم المقسم به فذلك مما انضم به في بعض الأحوال فهو من عوارض القسم.
6 - وبعدما علمت حقيقة القسم وأصل مفهومه نذكر لك المفاهيم التي هي فروع على الأصل، وهي الإكرام والتقديس والاستدلال، ونذكرها بالترتيب لتفهم وجوهها وتميز بين معانيها، حتى يسهل لك النظر في أقسام القرآن، فتعرفها على وجهها، وتكون على بصيرة في تأويلها.
7 - وجملة الكلام أن الأيمان الدينية أيضاً أصلها الإشهاد. وإنما اختلط بها معنى التعظيم من جهة المقسم به، لامن جهة محض الإشهاد الذي هو أظهر معنى القسم بالشيء.
ويتضح هذا الأمر من نوع آخر من أقسامهم التي أشهدوا فيها بالمقسم به على وجه الاستدلال لا غير. وهو مسلك لطيف من البلاغة.
8 - من أهم فصول الكتاب: (15) الأدلة المأخوذة من نفس القرآن على ما فيه من الأقسام الاستدلالية.
9 - والقرآن صرح بذلك وندب إلى التفكر والتدبر فيها. بل صرح بأنها لا يفهمها إلا العاقلون المتقون، كما جاء كثيراً في القرآن والصحف الأولى. ومع ذلك لا نشك في أنها دلائل قاطعة وحجج ساطعة. فهذا التحري هو الخطوة الأولى للتأمل وإعمال العقل حتى تنحل الإشكالات ويطمئن القلب بعد العلم. وإني بحمد الله تعالى لم أطمئن لهذا الرأي إلا بعد أن تأملت في جميع أقسام القرآن، حتى تبين لي أنها دلائل. ولم يدلني عليه إلا القرآن من وجوه عديدة كما مر ذكرها آنفاً.
10 - هذا، والعرب لذكائهم وكبرهم كانوا يحبون الإيجاز أكثر من أقوام أخر .. ولذلك لا ترى شيئاً من القرآن إلآ ومعناه أوفر من اللفظ، فإن أطنب قولاً من وجه أوجزه من وجوه أخر. ولذلك لا تنقضي عجائبه.
11 - ولا يخفى أن القسم إذا كان من الله بخلقه وكلماته فلا مظنة فيه للشرك، ولا معنى له إلا الشهادة الخالية عن معنى التعظيم.
12 - وقد رأيت كيف راعى القرآن هذا التمييز في حكم القسم، وليس هذا موضع تفصيله في سائر أحكام هذه الشريعة الكاملة، ولكن نذكر الآن ما يحسن وما لا يحسن منه إتماماً لما ذكرنا من معاني القسم، وتنبيهاً على طرف آخر من بلاغة القرآن، وحثاً على بذل الجهد في معرفة اللغة العربية فإن بعض الجهل بها يضر بدين المرء.
13 - فترى في سورة البراءة ذكر القسم من المنافقين في سبعة مواضع، فلم يأت به إلا بكلمة الحلف لدناءتهم وكذبهم في اعتذارهم.
وما جاءت هذه الكلمة في سائر القرآن إلا حيث يشنع لما فيها من قلة المبالاة بشرف النفس والنزوع إلى ما يلقيها في الكذب والإلحاح.
****
محاور النقاش المقترحة حول الكتاب:
1 - هل سبق أن اطلعت على الرأي الذي ذكره الفراهي عند غيره من المتقدمين أو المتأخرين بهذه الصورة؟
2 - ما رأيك في تناوله لما قاله الرازي وابن القيم في القَسَم؟ وهل تراه مديناً في رأيه لهما؟
3 - هل تؤيد الفراهي في ما ذهب إليه من تقسيم القسم إلى هذه الأنواع؟
4 - هل تؤيده في حديثه عن تاريخ القسم، واستنباطاته من كلام العرب هذه الاستنباطات؟
5 - هل تشعر أن لعجمته أثراً في فهمه للغة العربية؟ أم تراه فاق العرب في لغتهم؟
6 - هل ترى أنه لا يزال هناك جوانب لم تكتمل بعد من الحديث حول القسم في القرآن الكريم؟
7 - ما وجه المقارنة بين ما ذهب إليه الفراهي وما كتبه ابن القيم والرازي من المتقدمين وما كتبه محمد مختار السلامي في كتابه (القسم في اللغة وفي القرآن) فيما يتعلق بموضوع القَسَم؟
8 - ما رأيك بتفردات الفراهي النقدية في كتبه؟
¥