تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وثاني هذه الوجوه أن هذا المعجم حصيلة جهد طويل للمؤلِّف وثمرة عمر مديد قضاه في البحث اللغوي، وهو جماع ثلاثة كتب صنع المؤلِّف أولها -وهو كتاب "أخطاؤنا في الصحف والدواوين"- ولما يجاوز الرابعة والعشرين من عمره، وصنع ثانيها -وهو كتاب "لغة العرب"- وقد ذرَّف على السبعين من عمره، وضمَّ إليهما ثالثها وهو قصاصات لا يقلُّ حجمها عن حجم صاحبيها وقد ناهز التسعين من عمره، ثم حاول أن يصنع من كل ذلك معجمًا متكاملاً فحالت منيَّته دون ذلك.

وثالث هذه الوجوه أن المعجم حظي بعناية أستاذين جليلين من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق لهما قدم راسخة في مجال البحث والتأليف والتصنيف في الأخطاء اللغوية الشائعة، وهما الأستاذ الدكتور محمد مكِّي الحسني والأستاذ مروان البواب اللذان حوَّلا الحلم إلى حقيقة والأماني إلى وقائع، إذ توفَّرا على هذا المعجم وهيَّئا له كل ما كان يتطلَّع إليه مؤلِّفه من التصحيح والتدقيق، والمقابلة والتخريج، والإعداد والتنسيق، وصنع الفهارس الفنيَّة المتنوعة والمراجعة المتأنية، فلم يدَّخرا وسعًا ولم يبخلا بوقت في خدمته والقيام بحقِّه؛ حبًّا بهذه اللغة الشريفة وتقديرًا لمؤلِّفه الراحل عليه رحمات المولى سبحانه.

ولابدَّ لي أن أنوِّه هنا بالفهارس الفنيَّة التي صنعها الأستاذ البواب فقد قرَّبت بعيدًا، وجمَّعت متفرِّقًا، وأعطت القارئ مفتاحًا لكل ما يمكن أن يطلبه من هذا المعجم، ولا سيما موضوعه الرئيسي وهو الأخطاء الشائعة، إذ خصَّها المفهرس بفهرس جامع أورد فيه جذر الكلمة، والخطأ الشائع فيها، والصواب، ورقم الفقرة التي ورد فيها في الكتاب، وبهذا يكون قد جعل مادَّة الكتاب كلها على طرف الثُّمام من كل قارئ، إذ يشتمل هذا الفهرس على خلاصة ما ورد في المعجم، ويمكن للقارئ المتعجِّل أن يصل من خلاله إلى طلبته دون أن يبحث في المعجم إذا أراد نتيجة البحث لا ما وراءه من أدلَّة وعلل.

ورابع هذه الوجوه الشكل المعجب الذي خرج به هذا المعجم، إذ اضطلعت بإخراجه ونشره دار الثقافة والتراث بدمشق، وهي دار علميَّة غير ربحيَّة فيما أعلم تعنى بنشر الكتب الجادَّة وتشترط في منشوراتها التحقيق العلميَّ المدقِّق غير عابئة بما يقع عليها من نفقات في سبيل ذلك، وكان من أبرز ما أخرجت حاشية ابن عابدين في خمسة وعشرين جزءًا بتحقيق الأستاذ الدكتور حسام الدين الفُرفور وأصحابه.

وخامس هذه الوجوه أن المؤلِّف -إلى عنايته بتبيين أخطاء الكتَّاب وعثراتهم- معنيٌّ أيضًا ببيان عثرات بعض اللغويين فيما تسرَّعوا إليه من التخطئة بغير وجه حق، فضيَّقوا واسعًا، وحجَّروا على الناس أمر استعمال اللغة، وصاروا إلى ما وصف به القرضاويُّ أمثالهم من علماء الدين غير المتمكِّنين حيث يقول: «وآفة كثير ممَّن اشتغلوا بعلم الدين أنهم طَفَوا على السطح ولم ينزلوا إلى الأعماق لأنهم لم يؤهَّلوا للسباحة فيها والغوص في قرارها وألهتهم الفروع عن الأصول، وقد أدَّت بهم هذه الحرفيَّة الظاهرة إلى تحجير ما وسَّع الله وتعسير ما يسَّر الله وتجميد ما من شأنه أن يتضوع وتقييد ما من شأنه أن يتجدَّد ويتحرَّر».

فمن ذلك ردُّه على من عاب على المذيعين قولهم: «هذا وقد أكَّدت المصادر صدق الخبر» حيث بيَّن صواب هذه العبارة مستشهدًا لها بكلام البلغاء وخاتمًا كلامه بقوله تعليقًا على الآية: «ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم»: «فموضع (ذلك) هنا أشبهُ ما يكون بما نحن فيه». وأنا أقول مؤيِّدًا ما ذهب إليه الأستاذ الزعبلاوي: وأشبه من هذا كلِّه بما نحن فيه قوله تعالى في سورة ص55: «هذا وإن للطاغين لشرَّ مآب».

ومن ذلك -والأمثلة كثيرة- تجويزُه جمع نشاط على أنشطة خلافًا لمن قال بتخطئتها. وتجويزُه تعدية الفعل وصل بنفسه معتدًّا بما ورد في (القاموس المحيط) من قول الفيروز آبادي: «وصل الشيءَ وإلى الشيءِ وصولاً: بلغه وانتهى إليه». وتجويزُه استعمال فعل اعتبر بمعنى اعتدَّ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير