وختم المؤلف كتابه بخاتِمةٍ، أبانَتْ عن تقديره لتراث أمته، واهتمامه بأمْرِه، وأسَفه على ما يواجِهه من إهمالٍ من أبناء أمَّتِه، ونَبَّه إلى صعوبة هذا التخَصُّص، ونُدْرَة المشتغلين به في جميع مجالاته، وإلى الفَوْضى في كتابات هذا العِلْم، وتداعي الأَدْعِياء والمُجْتَرِئينَ، حتى ليُخَيَّل للمرء أن مجال المخطوطات أصبح كلأً مُسْتَبَاحًا لكلِّ مَن هَبَّ ودَبَّ، وقال: "إنَّ أخشى ما أخْشاه أن ينْقَرِض هذا العلمُ بانقراض المشتغلين به، وألاَّ تَحْظَى المخطوطات بما تَحْظَى به القِطَع الأثَرِيَّة من اهتمام وعناية، وحفظ وصيانة" [14]، كما أَكَّد ضرورة الحفاظ على هذا التراث المخطوط وتيسيره للباحثين، وعدَم اتِّخاذه سِلْعة يُتاجَر بها؛ إذْ إنه تراثُ أمةٍ، بِكُلِّ ما تحمله كلمةُ "أمة" من معانٍ.
وقال: إنَّ "أي إهمال لهذا التراث، أو تفريط فيه، أو اعتداء عليه - جريمةٌ لن تُغفَر لأصحابِها، ولن تمحوَ عارَها الأيامُ مهما طالت، إنَّ تراث الأمة - أية أمة - جزءٌ من شرَفِها، ومَن ذا الذي يقبل أنْ يُفَرِّط في شرفِهِ؟! " [15].
وبعدُ، فهذا عرْضٌ موجَز للكتاب يغري بقراءته، ولا يحيط بمحاسنه، التي أعد منها:
? الغاية الجلية، والموضوع الرائد.
? الرؤية المتكاملة لمكونات علم المخطوط العربي.
? العناية بِحُدُود العلوم ومصطلحاتها، وتحَرِّي الدقة فيها.
? نفاسَة المادة العلمية.
? التوثيق الدقيق للمعْلومات.
? منْهَجية العرْض والتناوُل.
? الإيجاز والاقتصاد في العبارات، وعدم التزيُّد في الموضوعات.
ولكنِّي مع ذلك أستأذن المؤلِّفَ الكريم في مناقَشة بعض قضايا الكتاب، وتسجيل بعض الملاحَظات، يُغريني بذلك تقديري للمؤلِّف، وإعجابي بكتابه، وهي مُلاحظات لا تكادُ تقف أمام مزايا الكتاب وفوائده، والجهد الذي بُذِلَ في إخراجه.
? وأول ما أُسَجِّلُه هو تحفُّظي على قصر المؤلف الفاضل لمفهوم "علم المخطوطات" على ما خُطَّ باللغة العربية وحْدَها دون لُغات الأُمَمِ الإسلامية الأخرى، التي شَكَّلَتْ - وما تزال - مجموع الحضارة الإسلامية العظيمة؛ بل إنِّي أرى أنَّ مفهوم (المخطوط العربي الإسلامي) يَمْتَدُّ ليشمل كل كتاب كتبَهُ واحدٌ ممن أظلَّتْهم الحضارةُ العربيَّة الإسلامية؛ عربيًّا كان أو غير عربي، مسلمًا كان أو غير مسلم، تأليفًا كان أو ترجمة، بالعربية أو بغيرها [16].
فلا فارِق في الجانب التنْظيري بين المخطوطات العربية، والمخطوطات التي كُتِبَتْ بلغات الأمم الإسلامية الأخرى، سوى الجانب التاريخي، الذي أرَى من المفيد تتبُّع بدايات الكتابة بهذه اللغات، وتطوُّرها، وأماكن انتشارها ... إلخ، أمَّا في الجانب التطبيقي فلا بأس من التخَصُّص.
ورغم تحفُّظي المذكور، فإنِّي سأسير في مناقَشتي حسب المفهوم الذي ارتآه المؤلِّف الفاضل، مسجِّلاً مُوافقتي لمفهومِه لعلم المخطوط العربي، وأنه صالح لأنْ يضمَّ جميع ما يتعلق بالمخطوط العربي من علوم وقضايا؛ خلافًا لما ذَهَب إليه بعض المتَخَصِّصين من قصر مجال دراسة علم المخطوط على الدراسة المادِّية دون غيرها، ومِمَّن قال بالرأي الأخير الأستاذ الفاضل/ عصام محمد الشنطي، في تعقِيبه على بَحْثِ الدكتور/ الحلوجي، الذي يُعَدُّ نواة الكتاب المعرُوض، وقرَّر أن مصطلح (علم المخطوط) مقابل للمصطلح الغربي (كوديكولوجيا).
وينقل المؤلِّف في كتابه تعريف المستشرق الهولندي جان جاست ويتكام: "يُعَرَّفُ علْم المخطوطات في بعْض الأحيان بأنَّه: الدِّراسة المخْتَصَّة بتناول جميع جوانب المخطوطة باستثناء محتواها، كما يوصف بأنه: ذلك العلم الذي يُرَكِّز كليًّا على الخصائص المادية للكتاب المخطوط باليد، وهذه تعاريف مُفيدة إلا أنها مُسْرفة في التبسيط" [17]، وهذا المفهوم هو ما اقتَصَر عليه واضِعُو "معجم مصطلحات المخطوط العربي" في تعريفهم لعلْم المخطوط العربي بقولهم: "علْم المخطوطات: يعني عند القدماء: دراسة كلِّ ما يتعَلَّق بالمخطوطات من كتابة وصناعة، وتجارة وترميم، وما إلى ذلك، ويعني في العصْر الحديثِ: دراسة المخطوط كقِطْعة مادِّية، مع العناية بكل ما يحيط بالمَتْنِ مِن حواشٍ، وتعليقات، واستطرادات، وتملُّكات، وإجازات، وما ماثل ذلك، ويُطلق عليه اليوم في الغرب (الكوديكولوجيا) Codicologie.
¥