تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن خطوات التحقيق - كما ذكَرَ المؤلِّف -: التأكُّد من صحة عنوان الكتاب، وصحة نسبته إلى مؤلِّفه، فنخلص من ذلك كله إلى أن التحقيق متضَمّن في التوثيق، غير أنَّه بإمكاننا أن نقول: إن علم توثيق النصوص - المتفرِّع عنه علمُ تحقيق النصوص - يُعْنَى بوضْع الضوابط والقواعد الكلية لتوثيق النصوص؛ بحيث يطبقها الباحثُ على جُملة من الكُتُب، وقد يطبّقها على كتابٍ معيَّن، ولكن بصورة إجمالية؛ أي: إنَّ الموثق لا يهتمُّ بتوثيق كلِّ كلمة بالنص، بخلاف المحقق الذي مهمته توثيق كل كلمة بالنَّصِّ، والتحقق من كل لفظ؛ فالتوثيق ينظر للنصِّ نظرةً إجمالية، والتحقيق ينظر إليه نظرةً تفصيلية؛ فالموثق يقوم مثلاً بدراسة جملة من مخطوطات كتابٍ مُعَيَّن، بمقابلة نصوص منتقاة بناء على منهج مُعَيَّن، كما يدرس الكيان المادي للمخطوطات، والنصوص المصاحِبة - وسيأتي تعريفها - من دون أن يُقابل كامل النسَخ، ويحقق جميع عباراتها وكلماتها.

وأمَّا اختيار المخطوطات الجديرة بالتحقيق، وأصولها الخطيَّة النفيسة، فهو المرادُ (بتقييم المخطوطات)، فهو بهذا المعنى مرتبط بالتوثيق، فبعد أن توثق النسَخ، تُقَيَّم حسب معايير موضوعيَّة، يُختار على أساسها النَّصُّ الذي يستحق التحقيق، والنسَخ التي سيُعْتَمَدُ عليها، وأما (الحفظ) فهو حِفظ الكيان المادي المخطوط، وأهميتُه ظاهرة، وقد يسمَّى: (الصِّيانة).

وفيما يتعَلَّق بالوسائل، فإنَّ أولها (صناعة المخطوط)، أو الكيان المادي للمخطوط، وقد فصَّلْنا عناصره في عرْضِنا للكتاب؛ بَيْدَ أنَّنا نشير إلى أن الدراسات المادية للمخطوط [27] قد تعارفتْ على ضمِّ عناصرَ أخرى؛ كالسمَاعات، والإجازات، والمقابلات، والتملُّكات، والوقفيات ... إلخ، إلى عناصر دراستها، بينما أفردها مؤلِّفُنا الفاضل بالبحث، وعدَّها مع التقييم قسْمًا خاصًّا، وسمَّاها (مظاهر أو أنماط التوثيق)، بينما سمَّيْناها: (النصوص المصاحبة)، والصوابُ مع المؤلِّف في عدم عدِّها ضمن العناصر المادية للمخطوط؛ إذْ إنها لا تدرس من حيث مادتُها؛ بل من حيث مضمونها ومحتواها؛ بيد أنها تختلف في هذا المضمون عن النُّصوص الأصلية بالمخطوط، التي هي مقصود المؤلِّف من التأليف، فهي مجرَّد نصوص مصاحِبة لهذه النصوص الأصلية، يقيدها المؤلف، أو مالك النسخة، أو مطالعها، وكثيرٌ من المخطوطات تخلو منها.

وبينما راعى المؤلِّف وجْهَ الفرْق بين العلمَيْنِ - أعني: عِلْمَي صناعة المخطوط والنصوص المصاحبة - وهو (الموضوع)، راعى أصحابُ الدارسات الأخرى وجه الجمع، وهو (الغاية)، التي هي توثيق النص، ومعلوم أن تقسيم العلوم مبناه على أوجه الجمع والفرْق، وتجدر الإشارةُ إلى أن للنصوص المصاحبة غاياتٍ أخرى؛ منها:

الدراسة التاريخية، ودارسة مناهج التفكير، وأساليب التأليف والتعليم عند المسلمين ... إلخ، كما أنَّ الدراسة التاريخية لصناعة المخطوط غاية أخرى له، وقد يدرس الأخير دراسةً مستقلة كفَنٍّ صناعي، ومظهر حضاري، وفيما يتعَلَّق بتسمية النصوص المصاحِبة بمظاهر أو أنماط التوثيق، فأرَى أن الأصْوَب وصفُها بأدوات أو وسائل للتوثيق؛ فهي في ذاتها ليستْ مظاهرَ للتوثيق، ولا أنماطًا منه، وإنما هي وسائل تُساعد على التوثيق، كما أنها تشترك مع العناصر المادية للمخطوط في هذه الغاية، ولا تختص بها.

أما (الترميم)، فهو إصلاح ما فسَد من الكيان المادي للمخطوطات، وظاهرٌ كونُه من الوسائل الموصلة لحفظ وصيانة المخطوطات، وأما (الفهرسة والضبط الببليوجرافي)، فوسيلتان للتوثيق والتقييم والتحقيق، وأما (إتاحة المخطوطات)، فيشمل إتاحتها بصورتها المادية، كما يشمل إتاحة مضمونها بمختلف الوسائل، التي منها (التصوير)، إن كان المقصود منه إتاحة المخطوطات للباحثين؛ إذ بهذا يكون علمًا مستقلاًّ؛ لكَوْن الفارق بين العلْمَيْن أكبر من الجامع؛ لاختلاف موضوعيهما، أما إنْ كان المقصود هو صيانةَ الأُصُول الخطيَّة، فهو وسيلة للصيانة فحسْب، وفي هذه الحالة لا يجعل عِلْمًا على العِلْم الفرْعي، ولا يعطف على الصيانة، والأول أقْرب.

فنخلص من ذلك كلِّه إلى أن محاور علْم المخطوط الإسلامي حسب ما ارْتَأَيْتُه [28]- والله أعلم - هي:

1 - تاريخ المخطوط.

2 - صناعة المخطوط.

3 - النصوص المصاحِبة.

4 - الصيانة والترميم.

5 - وسائل إتاحة المخطوط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير