تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مكتباتُ المخطوطات، والبحث عن آليات تنفيذها والإلزام بها، وكذلك صياغة تشريعات قانونيَّة مُلزمة للأفراد والجهات، بشأْن تداوُل المخطوطات وحفظها وإتاحتها.

وأؤكدُ ضرورة الاستفادة من التقنيات الحديثة من قِبَل مكتبات المخطوطات، ومِن قِبَل المحقِّقين والباحثين؛ كالحاسب الآلي، ووسائطه كالتصوير الرقمي، والماسحات الضوئية المتطوِّرة، وأنظمة البرمجة، والتحليل والتصنيف؛ وذلك للاستفادة مما تتيحة هذه الأدوات الحديثة من آفاقٍ رحبة لدراسة المخطوط، فلم يَعُد مقبولاً تأخُّر مكتبات المخطوطات في نقْل مصورات مقتنياتها عبر التصوير الرقمي والماسحات الضوئية، وإتاحتها للباحثين بدلاً من مصورات المصغرات الفيلمية، كما لم يعد مستساغًَا أن تستمرَّ بعثات تصوير المخطوطات في التصوير الميكروفيلمي، نابذةً التصويرَ الرقمي المتطوِّر، هذا التصوير الذي يوفِّر نسَخًا طبق الأصل من المخطوطات، بألوانها الطبيعية، من مدادٍ وزخارفَ وصورٍ، بدرجة عالية من الوضوح والدِّقَّة، كما تتيح برامج الصور المتخَصِّصة للمحقِّقين والمفهرسين إمكانياتٍ متقدِّمةً من تحسين صورة المخطوط، كتكبير الحجم، وتحسين درجة الوُضُوح والنَّقاء، وكثافة الظل، وتركيز اللون ... إلخ.

مما يُمكن معه أن يؤثر في قراءة النص المخطوط صوابًا وخطأً، فإذا كان التحقيق هو قراءة النص وتأديته "على الوجه الذي أراده عليه مؤلِّفُه، أو على وجه يَقرُب من أصله الذي كتبَه عليه مؤلِّفه" [34]، فهذا يعني أن استخدام هذه التقنيات - ما تيسرتْ - ليس أمرًا اختيارًا، بلا نبعدُ إن قلنا: إنه لا يصح بعد الآن إخراجُ تحقيق أو فهرسة لا تعتمد على هذه التقنيات، وعلى الأقل فيما يشكل من النصوص؛ فتراثُنا المخطوط لَم يعد يحتمل أية مخاطرة، سواء لمادته أو لمضمونه، كما أقترح على مراكز المخطوطات التي تستخدم هذه التقنيات أن توفِّر نسختَيْن: نسخة طبق الأصل، ونسخة معدلة محسَّنة؛ وذلك حفاظًا على صورة المخطوط الأصلي، وتجنُّبًا لأي خطأ فني.

? وفي (ص121 - 123) عرض المؤلِّف لأهمية توفير قواعد بيانات لنصوص المخطوطات، تمكِّن الباحثَ من البحث عن أية جزئية من محتوياتها، واسترجاعها، وأفاد أن هذا يستلزم أن يكون النص (مهيكلاً)، وأشار إلى أن الطريق أمام تحقيق هذا الهدَف ما زال محفوفًا بالمخاطر والعقبات، في ظل الحرص على الاحتفاظ بشكل المخطوط وصفحاته وملامحه بدون أي تدخل أو تعديل، وطرَحَ تساؤلاً مفاده: هل الفائدة التي يمكن أن نجنيَها من تكشيف نصوص المخطوطات تتناسب مع الجهد الذي سيبذل فيها؟ إلى آخر ما سطرته يمينه - جزاه الله خيرًا.

وقد منَّ الله علينا أخيرًا بتجربة رائدة في هذا المجال، تجاوزتْ هذه الإشكالات - فيما أرى - بل أربَتْ على الهدَف المذكور، هذه التجربة هي تجربة "الشركة العربية لتقنية المعلومات" في برنامجها "إكمال الحِرْفَة في إتقان التُّحفة"، حيث أتاح البرنامج نص "تحفة الأشراف" للحافظ المزي، مدققًا محققًا على جملة من مخطوطاته، وهو ما عبروا عنه بالتزواج بين صناعة التحقيق وصناعة البرْمجة، كما أتاح المخطوطات ذاتها، ثم ربط بين هذه المخطوطات وبين النص المحقَّق، بحيث يستطيع المتصفِّح بإشارة من النص المحقق، الانتقالَ إلى الجزء المقابل له في المخطوطات، والعكس، وفي رأيي أن هذه التقنية أفضلُ ما تحقق من تقنيات التعامل مع النص العربي المخطوط - فيما أعلم - بما تتيحه للقارئ من مشاركة للمحقق في عمله وقراءته للأصول المخطوطة؛ فبها يستطيع مقابلة ما يُشكِلُ عليه على المخطوط، ويتثبَّت من صحَّة النص المحقَّق.

وأحسب هذا البَرْنامج إرهاصة لنقْلةٍ نوعيةٍ في حركة نشْر التراث وتحقيقه، بحيثُ لَم يعد النشر الإلكتروني للتراث مُجَرَّد ناقل للنصوص من وعاء إلى آخر، أو أداة تكشيف مساعدة للمطبوع فحسب؛ وإنما صار وعاء جديدًا صالحًا لتحمل التراث المحقَّق الموثق، كما لَم تعُدْ مطالعة الأصول المخطوطة حكرًا على المحققين، ولا المعارضة والمقابلة على هذه الأُصُول كذلك، وهذه خطوة نرجو أن تتبعها خطوات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير