تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرَّجُلِ يَغْزُو وَلَهُ وَالِدَةٌ قَالَ إذَا أَذِنَتْ لَهُ وَكَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد يَظْهَرُ سُرُورُهَا قَالَ: هَلْ تَأْذَنُ لِي قَالَ إنْ أَذِنَتْ لَك مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي قَلْبِهَا وَإِلَّا فَلَا تَغْزُ وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ قَالَ لَا أَدْرِي قُلْت: فَمَالِكٌ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قُلْت: فَتَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا قَالَ فَرْضٌ قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ قُلْت: مَا تَقُولُ أَنْتَ فَرْضٌ قَالَ: فَرْضٌ؟ هَكَذَا وَلَكِنْ أَقُولُ وَاجِبٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً.

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} وَقَالَ {: أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك}.

قَالَ الْمَيْمُونِيُّ قَالَ: عَلِيٌّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ {سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ} وَيَقُولُ فِي الْجِهَادِ: {الْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلَيْهَا} وَيَقُولُ: {ارْجِعْ فَأَضْحِكْهُمَا مِنْ حَيْثُ أَبْكَيْتَهُمَا} قُلْت: فِيهِ تَغْلِيظٌ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ قَالَ: نَعَمْ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِرَّ الْجَدِّ فَرْضٌ، كَذَا قَالَ، وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاجِبٌ.

وَنَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي الْجَدِّ فِيهِ نَظَرٌ، وَلِهَذَا عِنْدَنَا يُجَاهِدُ الْوَلَدُ وَلَا يَسْتَأْذِنُ الْجَدَّ وَإِنْ سَخِطَ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ كَفَّارَةُ الْكَبَائِرِ.

وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَكْحُولٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ مَنْ أَغْضَبَ وَالِدَيْهِ وَأَبْكَاهُمَا يَرْجِعُ فَيُضْحِكُهُمَا وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ {: جَاءَ رَجُلٌ

(2/ 40)

إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعَهُ فَقَالَ: جِئْت لِأُبَايِعَك عَلَى الْجِهَادِ وَتَرَكْت أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ: ارْجِعْ إلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا} وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَبْرَأَ فِي جَمِيعِ الْمُبَاحَاتِ فَمَا أَمَرَاهُ ائْتَمَرَ وَمَا نَهَيَاهُ انْتَهَى، وَهَذَا فِيمَا كَانَ مَنْفَعَةً لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ ظَاهِرٌ مِثْلُ تَرْكِ السَّفَرِ وَتَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْهُمَا نَاحِيَةً.

وَاَلَّذِي يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يُسْتَضَرُّ هُوَ بِطَاعَتِهِمَا فِيهِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يَضُرُّهُمَا تَرْكُهُ فَهَذَا لَا يُسْتَرَابُ فِي وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِيهِ، بَلْ عِنْدَنَا هَذَا يَجِبُ لِلْجَارِ.

وَقِسْمٌ يَنْتَفِعَانِ بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَيْضًا طَاعَتُهُمَا فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ يَضُرُّهُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَمْ تَجِبْ طَاعَتُهُمَا فِيهِ لَكِنْ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَضُرَّهُ وَجَبَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ فَرَائِضَ اللَّهِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ تَسْقُطُ بِالضَّرَرِ فَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا بَنَيْنَا أَمْرَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّا جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ مَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرُّهُ، فَأَخْذُ مَنَافِعِهِ كَأَخْذِ مَالِهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ} فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْعَبْدِ.

ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نُصُوصُ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ الْفَرْضِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي عَدَمِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ.

(2/ 41)

وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي رَجُلٍ تَسْأَلُهُ أُمُّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مِلْحَفَةً لِلْخُرُوجِ قَالَ: إنْ كَانَ خُرُوجُهَا فِي بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ أَوْ جَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ لَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يُعِينُهَا عَلَى الْخُرُوجِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ لَهُ إنْ أَمَرَنِي أَبِي بِإِتْيَانِ السُّلْطَانِ لَهُ عَلَى طَاعَتِهِ قَالَ لَا.

وَذَكَرَ أَبُو الْبَرَكَاتِ أَنَّ الْوَالِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَكَذَا الْمُكْرِي وَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ، وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا تَأَكَّدَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ وَلَدِهِ فَلَا يُطِيعُهُ فِيهِ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ لَا يُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ نَفْلٍ مُؤَكَّدٍ كَطَلَبِ عِلْمٍ لَا يَضُرُّهُمَا بِهِ وَتَطْلِيقِ زَوْجَةٍ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ قَالَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ} وَطَلَاقُ زَوْجَتِهِ لِمُجَرَّدِ هَوًى ضَرَرٌ بِهَا وَبِهِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير